للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يشترط الحنابلة هذا الشرط، واكتفوا بمنع البيع المشتمل على الغرر الذي نهى عنه الشرع، كبيع الحمل في البطن دون الأم، وبيع اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم، وأجازوا فيما عدا ذلك بيع المعدوم عند العقد إذا كان محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة، كبيع الدار على الهيكل أو الخريطة، لأنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم، لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام الصحابة، وإنما ورد النهي عن بيع الغرر: وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء أكان موجودا أم معدوما، كبيع الفرس الهارب والجمل الشارد، فليست العلة في المنع، لا العدم ولا الوجود، فبيع المعدوم إذا كان مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر، لا للعدم. بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض المواضع، فإنه أجاز بيع التمر بعد بدء صلاحه، والحب بعد اشتداده، والعقد في هذه الحالة ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد. وأما حديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان المتقدم، فالسبب فيه هو الغرر، لعدم القدرة على التسليم، لا أنه معدوم (١) .

وعلى أي حال فقد اتفقت المذاهب الثمانية (٢) وجميع الفقهاء، ومنهم ابن حزم وابن تيمية وابن القيم على أن بيع الإنسان ما لا يملك لا يجوز، إما لأنه معدوم أثناء العقد عند الأغلبية الساحقة، وإما لأنه غرر عند الحنابلة للأحاديث الثلاثة التالية:

١- حديث حكيم بن حزام الذي أخرجه أصحاب السنن قال: ((قلت: يا رسول الله، يأتيني الرجل، فيسألني البيع ليس عندي أبيعه منه، ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال: لا تبع ما ليس عندك)) .

٢- حديث عبد الله بن عمرو المتقدم الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والدرامي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) .

٣- حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وعن بيع الحصاة)) .


(١) المغني: ٤/٢٠٠، ٢٠٨، نظرية العقد لابن تيمية: ص٢٢٤، أعلام الموقعين: ٢/٨.
(٢) فتح القدير والبدائع، المكان السابق، المقدمات الممهدات: ٣/٢٠٢، الشرح الصغير والقوانين الفقهية، المكان السابق، مغني المحتاج والمهذب، المكان السابق، المغني، المكان السابق، المحلي: ٩/٣٦٣، منهاج الصالحين: ٢/٢٤، البحر الزخار: ٣/٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>