للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتفقت المذاهب الأربعة على بطلان بيع معجوز التسليم أي ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء، والسمك في الماء والجمل الشارد والفرس الهارب والمال المغصوب في يد الغاصب، وكبيع الدار أو الأرض تحت يد العدو، لأن النبي صلى الله عليه وسلم – كما تقدم – ((نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر)) وهذا غرر (١) .

واتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر، كبيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، واللؤلؤ في الصدف، والحمل في البطن، والسمك في الماء، والطير في الهواء قبل صيدهما، وبيع مال الغير على أن يشتريه فيسلمه قبل ملكه له، لأن البائع باع ما ليس بمملوك له في الحال، سواء أكان السمك في البحر أم في النهر، أم في حظيرة لا يؤخذ منها إلا باصطياد، وسواء أكان الغرر في المبيع أم في الثمن (٢) .

ثانيا- بيع الشيء المملوك قبل قبضه من آخر:

اتفق الفقهاء من حيث المبدأ على عدم جواز بيع الشيء قبل قبضه من مالك آخر، ولكنهم اختلفوا في مدى عموم الحكم إطلاقه وتقييده، لاختلاف روايات الأحاديث المانعة منه، أو بسبب تأويل معنى الحديث، أو للعمل بظاهر الحديث فقط.

فمنهم كالشافعية، ومحمد وزفر من الحنفية من منع التصرف في المبيع قبل قبضه مطلقا، ومنهم من منع منه في المنقولات دون العقارات وهو مذهب الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف، ومنهم من جوزه في غير الطعام وهم المالكية، ومنهم من جوزه في غير المعدود والموزون والمكيل من الطعام (أي غير المقدرات) وهم الحنابلة، وقريب منهم الإمامية والزيدية، ومنهم من جوزه في غير القمح خاص وهم الظاهرية.

وأما الشافعية ومحمد بن الحسن وزفر فقالوا: لا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه مطلقا قبل قبضه، عقارا كان أو منقولا، لعموم النهي عن بيع ما لم يقبض، في حديث أحمد وغيره المتقدم عن حكيم بن حزام: ((لا يحل سلف وبيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) وهذا من باب بيع ما لم يضمن، ومعناه: ما لم يقبض، لأن السلعة قبل تلفها ليست في ضمان المشتري، وإذا تلفت فضمانها من مال البائع، ولعدم القدرة على التسليم، ولأن ملكه عليه غير مستقر لأنه ربما هلك، فانفسخ العقد، وفيه غرر من غير حاجة، فلم يجز، فالعلة في منع البيع هي الغرر (٣) .

وأما المعتمد عند الحنفية وهو رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف فهو التفصيل، وهو أنه لا يجوز التصرف في المبيع المنقول قبل القبض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع ما لم يقبض، والنهي يوجب فساد المنهي عنه، ولأنه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود، أي إنه يحتمل الهلاك، فلا يدري المشتري: هل يبقى المبيع أو يهلك قبل القبض، فيبطل البيع الأول، وينفسخ الثاني، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فيه غرر، كما تقدم.


(١) البدائع: ٥/٢٩٥، بداية المجتهد: ٢/١٥٦، المهذب: ١/٢٦٣، المغني: ٤/٢٠٢.
(٢) المجموع للنووي: ٩/٢٨٠، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: ٢/٧٦، نيل الأوطار: ٥/١٤٨.
(٣) مغني المحتاج: ٢/٦٨، المهذب: ١/٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>