للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الإمامية: فقالوا: لا بأس ببيع ما لم يقبض، ويكره فيما يكال أو يوزن، وتتأكد الكراهية في الطعام، وقيل: يحرم (١) .

وأما الزيدية: فأجازوا بيع الشيء قبل القبض إن كان مما لا يكال ولا يوزن، ومنعوا في الأظهر البيع بالربح فيما يكال أو يوزن قبل القبض (٢) .

والظاهر رجحان رأي الشافعية، لعموم النهي عن بيع الشيء قبل قبضه في حديث حكيم بن حزام، دون قصره على الطعام، ويكون حديث النهي عن الطعام في حالة من حالات النهي لا تمنع غيرها، وهو احتجاج بالمفهوم المخالف من الحديث، والمنطوق في حديث حكيم بن حزام مقدم عليه، ويؤيده حديث زيد بن ثابت الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، ثم إن الملكية في الشيء قبل القبض ضعيفة، وفيها غرر أي احتمال الحصول وعدم الحصول، ويترجح عدم الحصول في حال احتكار المنتجين للسلع وإيقاع البائعين على المكشوف في حرج.

ثالثا- البيع دون تحديد سعر (أو البيع بما ينقطع عليه السعر) :

اتفقت المذاهب الثمانية على اشتراط معرفة الثمن في عقد البيع حال العقد أو قبله، فلا يجوز البيع بثمن مجهول، ولا بد من بيان جنس الثمن وقدره وصفته (٣)

وعليه فلا يصح عندهم البيع بما ينقطع عليه السعر أو بسعر السوق في يوم معين أو في فترة محددة.

لكن روي عن الإمام أحمد جواز البيع بما ينقطع عليه السعر في المستقبل بتاريخ معين من غير تقدير الثمن أو تحديده وقت العقد، لتعارف الناس، ولتعاملهم به في كل زمان ومكان. وقد رجح ابن تيمية وابن القيم هذا الرأي، وأرادوا به سعر السوق وقت البيع، لا أي سعر في المستقبل (٤) .

وبه يتبين أن جميع المذاهب لا تجيز البيع الحالي في البورصة حيث تباع السلع الحاضرة بثمن السوق في يوم محدد أو في خلال فترة محددة هي فترة التصفية، حتى عند ابن تيمية وابن القيم ورواية عن أحمد الذين يجيزون البيع بما ينقطع عليه السعر، فإنهم أرادوا كما بينا سعر السوق وقت البيع، لا أي سعر في المستقبل، كمن يشتري شيئا من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم، بسعر يومه، ثم يحاسبه في نهاية الشهر ويعطيه ثمنه، وهذا ما يسمى ببيع الاستجرار.


(١) المختصر النافع في فقه الإمامية:ص١٤٨.
(٢) منهاج الصالحين: ٢/٥١.
(٣) المبسوط: ١٣/٤٩، البدائع: ٥/١٥٨ , فتح القدير: ٥/١١٣ , رد المحتار: ٤/٣٠ , الشرح الكبير للدردير: ٣/١٥ القوانين الفقهية: ص٢٥٧، مغني المحتاج: ٢/١٧، المهذب: ١/٢٦٦، المغني: ٤/١٨٧، المحلي: ٩/١٩، المختصر النافع: ص١٤٣، منهاج الصالحين: ٢/٢٥.
(٤) غاية المنتهى: ٢/١٤، ٢٦، نظرية العقد لابن تيمية: ص٢٢٠، أعلام الموقعين: ٤/٥-٦

<<  <  ج: ص:  >  >>