للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تورط بعض الأساتذة المعاصرين برأي بعض الحنابلة، فأجازوا البيع بسعر السوق يوم كذا، أو بسعر الإقفال في بورصة كذا، لرضا المتعاقدين بذلك، ولأن جهالة الثمن حينئذ لا تؤدي إلى المنازعة، واحتجاجا بقول ابن تيمية بأنه عمل الناس في كل عصر ومصر، وقوله: هو أطيب لقلب المشتري من المساومة، يقول: لي أسوة بالناس.

وكل ذلك في رأيي محل نظر وتأمل، فإن ما أراده ابن تيمية غير ما يحدث في بورصة العقود الحالية، كما أن بيع الاستجرار ونحوه روعي فيه حاجة بعض الناس، وأين مثل هذه الحاجة في البورصة؟!

رابعا – العمليات الآجلة الشرطية البسيطة:

وهي كما عرفنا أن يكون من حق المضارب فسخ العقد في ميعاد التصفية أو قبله إذا أحس بانقلاب الأسعار في غير صالحه، على أن يدفع أولا تعويضا للطرف الآخر، ولا يرد إليه، ويسمى هذا بالشرط البسيط.

ويمكن معرفة حكم هذه العمليات في ضوء ما يعرف في فقهنا بشرط الخيار، وقد أجاز جميع الفقهاء ما عدا الظاهرية خيار الشرط (١) ، ولكنهم اختلفوا في مدة الخيار المشروع:

فقال أبو حنيفة وزفر والشافعي: يجوز شرط الخيار في مدة معلومة لا تزيد على ثلاثة أيام عملا بحديث حبان بن منقذ الذي أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ابن عمر، فقد شكا أنه يُغْبَن في البياعات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة (٢) ، ولي الخيار ثلاثة أيام)) .

وأجاز أبو يوسف ومحمد والحنابلة والإمامية والزيدية اشتراط مدة الخيار حسبما يتفق عليه البائع والمشتري من المدة المعلومة، قلت مدته أو كثرت، لأن الخيار يعتمد الشرط، فيرجع في تقديره إلى مشترط كالأجل.

وأجاز المالكية الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال، فخيار الشرط في الفاكهة يوم، وفي الثياب والدابة ثلاثة أيام، وفي الأرض أكثر من ثلاثة أيام، وفي الدار ونحوها مدة شهر.


(١) المبسوط: ١٢/٤٠، البدائع: ٥/١٧٤، المدونة ٣/٢٢٣ المنتقي عن الموطأ: ٥/١٠٨، المهذب: ١/٢٥٨، مغني المحتاج: ٢/٤٧، المغني: ٣/٥٨٥، غاية المنتهى: ٢/٣٠، بداية المجتهد: ٢/٢٠٧، الدردير والدسوقي: ٣/٩١، ٩٥، المحلى: ٩/٣٢٨، المختصر النافع: ص١٤٥، منهاج الصالحين: ٢/٣٢، البحر الزخار: ٣/٣٤٩.
(٢) أي لا خديعة ولا غبن، والمعنى: لا يحل لك خديعتي، أولا تلزمني خديعتك.

<<  <  ج: ص:  >  >>