للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله: ((إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب الشهر هكذا وهكذا، تارة تسعا وعشرين وتارة ثلاثين، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) متفق عليه، ولمسلم: فاقدروا له ثلاثين.

فالخطاب في هذا كله لعامة المسلمين الذين خلق الله لهم الأهلة ليهتدوا بها لميقات صومهم وحجهم، لأن من مقاصد الشارع اتفاق الأمة في عباداتها وأعيادها ما أمكن الاتفاق.

وغرض الشارع الحكيم من هذا كله هو شهرة العلم بهذه الأوقات لقصد التعبد فيها بوظائفها المفروضة على الناس.

وأن الأحكام المتعلقة بالصيام وعيد الإسلام منوطة برؤية الهلال رؤية صحيحة ثابتة، بحيث يراه عدد من العدول المعروفين بالثقة والعدالة، إذ الهلال امر مشهور مشهود به مرئي بالأبصار ومن أصح المعلومات ما شوهد بالعيان، إذ ليس الخبر كالعيان.

والحكمة في ذلك جعل العبادة في ابتدائها وانتهائها مما يتيسر العلم بوقته لكل احد من بادية وحاضرة، وعالم وجاهل وكاتب وأمي ورجل وامرأة، فلم يجعل عبادة أحد متعلقة بإرادة الآخر، لأن الله سبحانه العظيم شأنه، علم ما كان يتلاعب به علماء الأديان ورؤساء الأمم السابقة، من تصرفهم في العبادات الشرعية، حيث أسقطوا عن أممهم فرض الصيام الواجب عليهم تدريجيا، وكانوا يحلون لهم ويحرمون بدون إذن من الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فجعل عبادة هذه الأمة متعلقة بالمشاهدة والظهور والأمر الجلي، سواء في ذلك فرائض الصلوات والصيام والحج، يقول الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} .

فمعرفة وقت الصيام في دخوله وخروجه، يعرف برؤية الهلال جليا واضحا، بحيث يستوى في العلم به والتكليف بواجبه جميع الناس أو بإكمال العدة عند حصول ما يمنع الرؤية ومتى رؤى ابتداء فإنه يحكم لأول ليلة، سواء كان صغيرا أو كبيرا وسواء كانت منزلته عالية أو منخفضة، فلو جرى المسلمون على عملية التوثق واليقين في دخوله وخروجه، بحيث لا يصومون ولا يفطرون حتى يراه عدد من العدول الثقات لسلموا من هذه التشكيكات والاختلافات في الصوم والعيد الناشئة عن الشهادات غير الثابتة في الرؤية والتساهل في الحكم بصحتها والعمل بها. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>