إنه يستحب الترائي للهلال وقت التحرى لطلوعه للتحفظ على الوظائف المفترضة فيه حتى لا يزاد فيها ولا ينقص منها.
لقد قلنا سابقا ولاحقا: أن منشأ الاختلاف بين المسلمين في الصوم وفي العيد يعود إلى أمر واحد، وهو التثبت في دعوى الرؤية وعدم التثبت فيها، لأنه متى كان بعض المسلمين يبنون أمرهم في صومهم وفطرهم على الرؤية المحققة المستفيضة الثابتة بشهادة عدد من العدول الثقات على صحتها فيصومون برؤيتهم ويفطرون برؤيتهم على يقين من أمرهم وحزم في أمر دينهم، كما عليه العمل في سائر البلدان التي ينتحل أهلها العمل بمذهب الأحناف وهم أسعد بالصواب في هذه القضية، سيما عند فساد الناس في هذا الزمان وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث يقول: إنما سمى الهلال هلالا لارتفاع الأصوات برؤيته وكما سمي شهرا لشهرته فلا يكفي عنده ولا عند الأحناف شهادة الواحد والاثنين على رؤيته في حالة الصحو من بين مجموع سائر الناس، لكون الرؤية الصحيحة الثابتة حسية تدرك بالأبصار ويشترك في العلم بها غالب أهل الأمصار، إذا لم يكن ثم ما يمنع الرؤية من غيم وغيره، لانها متى كانت الابصار متساوية والموانع منتفية، فإنه حينئذ يمتنع اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية دون سائر الناس، فلا بد أن تنتشر وتشتهر الرؤية الصحيحة، بحيث يراه من كل بلد واحد أو اثنان.
وهذا القول بما أن له قوة في النظر، فإن له حظا كبيرا من الأثر، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ، وقال:((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) ، وكلها أحاديث صحيحة ثابتة،
فمتى لم يره المسلمون وإنما أخبرهم به مخبر عن طريق الإذاعة برؤية فرد معلوم أو مجهول في بلد كذا ولم يثبت لدى احد من القضاة الشرعيين عدالة هذا الشاهد ولا ثقته، وهل هو شاهد واحد أو اثنان، فإنه حينئذ لا يقال: أن المسلمين قد رأوه وهم لم يروه، وإنما أخبروا به وليس الخبر كاليقين.
فمتى كان الأمر بهذه الصفة، فإن الاختلاف بين المسلمين في الصوم وفي العيد لا يزال واقعا ومستمرا دائما لاختلاف الأفهام في تطبيق النظام على العمل بصحيح الأحكام.