قلنا في الفقه بيع آجل وسلم، إذن هنا تبعا للبيع الآجل ممكن، أو تبعا للسلم هذا أيضا ممكن، ولكن يبقى هنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح يدا بيد سواء بسواء مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء)) . معنى هذا تبادل ذهب بذهب لا بد أن يكون بنفس الوزن، والنقود كذلك تلحق بالذهب والفضة. ولذلك قلنا في محاضرة النقود بأننا أصبح عندنا الآن أجناس كثيرة، ففي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان جنسان: جنس الذهب وجنس الفضة، أما في هذه الأيام تجد الفضة والذهب والعملات الورقية، كل دولة لها عملة، فكل دولة عملتها تعتبر جنسا: ريال قطر جنس، درهم الأمارات جنس، الريال السعودي جنس، وهكذا، فيمكن التبادل:((إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)) .
وقول سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه بأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((الذهب بالورق (العملة الفضية) ربا إلا هاء وهاء)) (خذ وهات) ، ولذلك كانت الفتوى الإجماعية للمؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بأنه (لا يجوز إلا بالتقابض الفوري، وأن البيع الآجل هو من الربا المحرم، ومعنى هذا أننا إذا أردنا أن نشتري سلعا: والسلعة ستتأجل، أو الثمن سيتأجل، فإن هذا يمكن في غير الذهب والفضة، ولكن وجدنا في عصرنا من الباحثين المسلمين من قال بأن الذهب كما يجوز أن نشتريه ونقبضه يجوز مع الأجل. لماذا؟ قال: بالنسبة للذهب الرسول عليه الصلاة والسلام جعل القبض يدا بيد في البيع لأنه كان ثمنا، والعلة الثمنية، والأثمان في عصرنا هي النقود الورقية لا الذهب.
ولتوضيح ما يتصل بالعملة في الذهب أقول: الفقهاء اختلفوا في التعليل، فبعضهم قال العلة الوزن، وقال: كل ما يوزن لا بد أن يكون التقابض في المجلس، فيلحق بالذهب النحاس والرصاص والحديد وغير ذلك مما يوزن. وبعضهم قال بالثمنية، والفقهاء الذين قالوا بالثمنية قالوا بأن هذه العلة قاصرة، ومعنى قاصرة أي أنها لا تتعدى الذهب ولا الفضة، بمعنى أن هذا الحكم قاصر على الذهب والفضة. ولماذا إذن أدخلنا النقود؟ قالوا: ربما شارك الأصل شيء فيلحق به، ولذلك المالكية قالوا بالعلة القاصرة، فلما ظهرت في عصرهم النقود النحاسية وراجت وأصبحت نقودا، قال الإمام مالك قوله المشهور: (لو أن الناس اتخذوا الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة) ، يعني أكره أن تباع بالذهب والورق مع التأجيل، والكراهة عند الأقدمين ليس معناها ما نسمعه من أن الحكم الشرعي خمسة أقسام: حلال وحرام ومستحب ومكروه ومباح، لا، الكراهة إذا أطلقت عند الأقدميين فإنما تعني التحريم.