إذن الجلود في ذاتها لا تلحق بالذهب والفضة، ولكنها إذا أصبحت نقودا ألحقت بالذهب والفضة، الورق الآن لا يلحق بالذهب والفضة، فإذا أصبح هذا الورق ريالات قطرية أو سعودية أو غيرها ألحق بالذهب والفضة لا لأنه ورق، ولكن لأنه نقود. أما الذهب والفضة فالحكم باق بالنسبة لهما سواء أكانا نقودا أم غير نقود.
ومن المعلوم في أصول الفقه أننا عندما نبحث عن العلة للقياس، فإنها إذا وجدت في فرع ألحقناه بالأصل قياسا عليه، أما الأصل فهو ثابت بالنص لا بالاجتهاد، وعلى أي حال النص والإجماع مدة أربعة عشر قرنا على أنه لا يجوز التأجيل أبدا بالنسبة للذهب.
وبعض الاقتصاديين أيضا (أفتوا) بجواز التأجيل. قالوا: الآن الذهب لم يعد هناك علاقة بينه وبين النقود بعد أن ترك الدولار القاعدة الذهبية منذ عام ١٩٧٢ فأصبح الذهب ليس ثمنا. فما دام الدولار تخلى عن الذهب، فلم يعد الذهب نقدا ولا ثمنا، إنما أصبح سلعة كأي سلعة.
وهذا القول لا يصح فقها ولا اقتصادا:
فمن الناحية الفقهية لا يجوز الخروج على النص والإجماع، لا يجوز أبدا، ومسألة العلة إنما هي للإلحاق لا لإخراج الأصل، فأنا أبحث عن العلة لماذا؟ لألحق شيئا بالأصل لا لأخرج الأصل وأدخل الفرع، فالعلة إذا وجدت في حكم لم ينص عليه فهل نلحقه بحكم المنصوص عليه وأخرج الحكم المنصوص عليه؟ كيف هذا؟ فقها كيف هذا؟
وأما من الناحية الاقتصادية فبعض الاقتصاديين الذين لم يتحرجوا عن التصدي للإفتاء، والقول بعلم أو بغير علم، قالوا: الذهب الآن يباح أن يباع مع التأجيل لأنه سلعة بعيدة عن الثمنية. وإذا بحثنا وجدنا هذا القول الذي لا يصح فقها غير صحيح من الناحية الاقتصادية.
الاقتصادي عندما يقول هذا ألا يعلم مثلا أن صندوق النقد الدولي يشترط بالنسبة لحصص الأعضاء أن يكون الربع من الذهب الخالص والباقي بالعملة المحلية؟ وأن هناك هيئات دولية كثيرة تشترط مثل هذا الشرط، حتى أوروبا الشرقية عندما ارتبطت بالروبل ربطته بالذهب وقدرته بالذهب. فإلى جانب صندوق النقد الدولي نجد بنك التنمية الآسيوي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهيئات التنمية الدولية، والبنك الدولي للتعاون الاقتصادي لدول أوربا الشرقية، كل هؤلاء يشترطون جزءا معينا من الذهب، والفرق بين الذهب وباقي العملة أن العضو المشترك في صندوق النقد الدولي له أن يأخذ قروضا ميسرة مثل نصيبه من الذهب، وإن زاد عن النصيب من الذهب يأخذ بالقروض التي يفرضها البنك.
إذن أيهما أكثر ثمنية ونقدية: الذهب أم النقود الإلزامية؟ ولو أن أي واحد منا عرض عليه أو أي دولة عرض عليها ذهب أو نقود ورقية فأيهما تفضل؟ ولو أن النقود الورقية لم تكن إلزامية من كان يأخذها؟ فيكف إذن أخرجت الذهب وهو الأصل؟ ولذلك أعجبني هذا الإعلان عن شركة إسلامية قامت لإعادة التعامل بالدينار الذهبي والدرهم الفضي، وأرباح المشتركين ستكون بالدينار الذهبي والدرهم الفضي.
وأذكر هؤلاء الاقتصاديين بأن فرنسا لا تزال مرتبطة بالذهب ارتباطا كليا، وأن بلادا أخرى تحتفظ بأرصدة ذهبية بنسبة معينة من قيمة عملتها.