للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الأول

مفهوم الأدوات المالية وتوزينها بالمعايير الفقهية

أولا – تطور الأدوات المالية وصورها المعاصرة:

عندما تكون الحياة الاقتصادية بسيطة فإن الوسائل المستعملة تكون بسيطة كذلك. لذلك فإن الأفراد في الحياة البدائية يزودون أنفسهم برأس المال اللازم للإنتاج أو يقترضون بالمجان أو يشتركون في الامتلاك.

ومع اتساع الاحتياجات وتطور الإمكانيات يصبح الاعتماد على التمويل الذاتي محدودا وتقل فرص الاقتراض المجاني وتزداد الحاجة للمشاركة من الآخرين.

وقد شهد العالم تطورا متميزا في أنواع المشاركة المالية حيث انتقلت المشاركة من صفة الشريك لذاته (المشاركة الشخصية) إلى نظام الشريك بماله حيث فقد الاعتبار الشخصي أهميته في المشاركة وأصبح انتقال حق المشاركة وملكيتها من شخص الآخر يتم دون أن يؤثر على جوهر استمرار المشاركة سواء كان الشريك زيدا أم بكرا.

وقد كان هذا التطور هو الذي أرسى الأساس لبناء صورة الشركات المساهمة التي يرجع إليها الفضل في إقامة المشروعات الكبرى والتي لا يستطيع الأفراد غالبا أن يتولوا تدير التمويلات الضخمة التي تحتاج إليها هذه المشاريع، وذلك مثل إنشاء شركات الإنتاج الأسمنت والنفط والنقل الجماعي والكهرباء والخدمات السلكية واللاسلكية في بعض البلاد.

ومع اتساع قاعدة المالكين للأنواع المختلفة من أسهم الشركات الكبيرة برزت الحاجة لوجود وسطاء للتداول والتوفيق بين عارضي بيع الأسهم وطالبي شراء هذه الأسهم وذلك إلى أن تطور الأمر إلى وجود أسواق منظمة يتم فيها إجراء عمليات البيع والشراء بطرق تجعل من الميسور إتمام البيع أو الشراء دون حاجة لتوافق رغبة البائع والمشتري في الصفقة الواحدة. فقد يأتي إلى السوق مائة بائع لبيع عشرين نوعا من الأسهم من عدة فئات وأنواع وشركات حيث يأخذهم جميعا وسطاء السوق وتكون لهم محفظتهم التي يبيعون منها ما يشاء الطالبون.

ومع وجود هذه الأدوات التي تمثل حصصا في رأس المال القابل للانتقال من مالك لآخر دون أن يتطلب ذلك الانتقال القيام بإجراء تصفية الشركة أو يؤثر على سيرها جعل من الممكن أن تتهيأ الأذهان لإمكان التبايع في هذه الأموال.

كما أن وجود السوق حوّل من صفة هذه الأسهم التي توصف عادة بأنها من الاستثمارات طويلة الأجل لكي تصبح استثمارا ماليا قصيرا عن طريق سهولة البيع في سوق منتظمة وبأسعار معلنة ليست خاضعة للمساومة بل محكومة بعوامل السوق والملاءة.

كل ذلك أدى إلى بناء الركن الأول من الأركان المنشئة لسوق رأس المال وذلك عن طريق تشجيع رءوس الأموال للانتقال من دائرة الاكتناز إلى دائرة الاستثمار دون خوف من التجميد طالما أن هناك الوسيلة المتاحة لتسييل هذه الاستثمارات.

ويسمى السوق الذي يتجمع فيه رأس المال ابتداء بالسوق الأولى، أما السوق الذي يتم فيه تسييل رأس المال المستثمر وتحوّله وتبديله فإنه يسمى بالسوق الثانوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>