والبنك مصدر هذه الورقة، وإن كان لا يلتزم بإمساك حسابات مستقلة لحصيلة الأوراق المالية المصدرة؛ لأنها مخلوطة بغيرها، من أمواله الأخرى، التي يستثمرها، مع حصيلة الأوراق المالية التي أصدرها، إلا أنه يلتزم بالضرورة بإمساك حسابات للمضاربة التي تشتمل التمويل الذي خصصه هو للاستثمار، والحصيلة المتجمعة من بيع الأوراق التي أصدرها، وهذه الحسابات يجب أن تكون منفصلة عن حسابات أنشطة البنك الأخرى، من خدمات مصرفية، وعوائد استثمار الحسابات الجارية، وغير ذلك؛ إذ للمضاربة في كل صورها، وجميع أنواعها، ذمة مالية في حدود معينة، وهذا يعني أنه في جميع صور الأوراق المالية، ما صدر منها لتمويل مشروع معين , وما صدر منها لتمويل نشاط خاص , وما صدر منها لتمويل أنشطة البنك ومشروعاته المتعددة، يجب على البنك أن يمسك حسابات منفصلة، وألا يخلط بمال المضاربة أي مال آخر، لا يدخل في رأسمالها، غير أن رأسمالها قد يقتصر على حصيلة الأوراق المالية الصادرة لتمويل مشروع معين، أو نشاط خاص، دون أن يقدم المضارب حصة في رأس مال المضاربة، وقد يكون رأس مال المضاربة مكونا من جزئين؛ أحدهما هو حصيلة الأوراق المالية الصادرة للمشاركة في جميع أنشطة البنك ومشروعاته، وثانيهما ما يخصصه البنك من موارده الأخرى، ومن حقوق الملكية للاستثمار في هذه الأنشطة والمشروعات، وفي جميع هذه الصور فإن للمضاربة ذمة مالية مستقلة عن ذمة المضارب، ورب المال، ولا بد أن تكون هناك حسابات مستقلة للمضاربة؛ أي لرأسمالها المستثمر، سواء كان كله مقدما من أرباب المال؛ حملة الأوراق المالية، أو كان بعضه منهم، وبعضه من البنك المضارب. وهذا الاستقلال لازم شرعا، بناء على قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والواجب هنا تحديد الربح وتوزيعه بين حملة الأوراق المالية والبنك المضارب، وهذا لا يتأتى إلا بإمساك حسابات لرأس مال المضاربة منفصلا عن حسابات البنك المضارب الأخرى.
وقد تثور صعوبات عملية محاسبية، بشأن الفصل بين أنشطة البنك الاستثمارية التي تمول بأوراق مالية، وبموارد البنك المخصصة لذلك، وأنشطة البنك الأخرى؛ كالخدمات المصرفية والحسابات الجارية وغيرها، وتخصيص كل نوع من هذه الأنشطة بحساب مستقل، وتشتد هذه الصعوبة في حساب المصاريف التي تخص كل نوع من هذه الأنواع، غير أن هذه الصعوبة لا تسقط الواجب، وإن كانت تجعل بذل أقصى الجهد وفقا لمعطيات العلم وإمكانات البشر وظروف البنك، كافيا في أداء هذا الواجب، والوفاء بهذا الالتزام؛ لأن التكليف لا يكون إلا بمقدور، والميسور لا يسقط بالمعذور، كما يقرر الفقهاء؛ ذلك أن قضية تحديد الربح الناتج عن الأنشطة المختلفة، ومعرفة ما يخص أرباب المال، أي حملة الأوراق المالية، وما يخص البنك، أي المساهمين أصحاب حقوق الملكية، منه من الأمور الواجبة شرعا قبل التوزيع تفاديا للظلم ومنع الحقوق، ولا يتم ذلك إلا بإمساك حسابات منفصلة، وعمل ميزانيات مستقلة، وتحميل كل نشاط بما يخصه من المصاريف.