أما تحريم الإسلام للربا عند إقراض المال فإنه مبنى على مبدأ الإسلامي الأساسي الذي يقضي بالعدل في كل المعاملات. فرغم أن المقترض يستفيد في نشاطه من المال الذي يقترضه ويحقق منه ربحا فإنه من الثابت أيضا أنه يتحمل وحده جميع مخاطر فشل ذلك النشاط ويتعين عليه أن يرد رأس المال كاملا مضافا إليه الفائدة المتفق عليها إلى المقرض بغض النظر عن نتيجة استثماره للمال. ومن هنا فإن المقرض يحصل على العائد المستحق له لدى المقترض دون أن يشارك أية مشاركة حقيقية في مخاطر المشروع. أما إذا اعتبرنا أن مالك رأس المال الذي أقرض المال إلى صاحب المشروع قد تحمل المخاطرة فإن نفس الحجة تنطبق عليه عكسيا، لأنه عندئذ يكون له (أي المقرض) الحق في المشاركة في الأرباح التي حققها المشروع لا في نسبة معلومة من أصل القرض. ومن ذلك يتبين أن تحريم الإسلام للفائدة إنما ينبع من الرغبة في إقامة نظام عادل وعدم استغلال ظروف المحتاج أو أي طرف في أي تعامل مالي.
وفي ضوء ما سلف ذكره وبعد أن أوضحنا الكيفية التي تستخدم بها أسعار الفائدة لتخصيص الموارد للمشاريع التي تستحقها نتناول الآن من وجهة النظر العملية تطبيق هذا المفهوم النظري. إذ ينبغي أن توجه الأموال للمشاريع التي تقدم أعلى معدل للمخاطر بالنسبة إلى العائد. ومع هذا وفي الواقع العملي وإذا كانت جميع الظروف مواتية فإن المقرضين يبدون اهتماما أكبر بالملاءة الائتمانية للمقترض وعندئذ تصبح للمشروع أهمية ثانوية. ففي هذه الحالة ينظر المقرض بعين الاهتمام إلى المشروع الذي يتمتع المقترض بوضع ائتماني أفضل حتى إذا كانت عائدات هذا المشروع أقل من مشروع آخر قد يحقق عائدا أفضل لنفس الاعتبارات أو لاعتبارات أخرى خاصة بالمخاطرة. وبالتالي فإن النظام التقليدي الذي يعتمد على العائد بسعر الفائدة المحدد لا يؤمن بالضرورة تخصيص الموارد بطريقة عادلة للمشاريع على أساس من جدواها وعائداتها.
٣-٢ عمليات السوق في الإسلام وضوابطها:
يجيز الإسلام بل ويشجع قيام السوق على المبادئ التالية:
(١) المنافسة الحرة والعادلة.
(٢) تحديد الأسعار بناء على قوى السوق من خلال آلية العرض والطلب.
(٣) توافر معلومات كاملة للمشترين والبائعين عن مختلف جوانب المعاملة التي هم بصددها ولا سيما إذا كانت تلك المعلومات تؤثر على سعر السلعة (وهو ما يطابق مفهوم كفاءة السوق في الأسواق المعاصرة) .
(٤) عدم السماح للقوى الاحتكارية بالتعامل في السوق تجنبا للاستغلال.
(٥) العمل قدر المستطاع على تجنب (الوسطاء) في المعاملات إلا إذا كانوا يؤدون بحسن نية خدمات تساعد على سلاسة التعامل في السوق.