أما هذا الذي نحن بصدده فهو حق أنشأه عقد كان محل العقد فيه هو ذلك الحق. فلم يكن تعويضا عن ضرر قد لحق بطرف ولا حقا نشأ بسبب عقد سابق. ثم إن هذا الحق الذي أنشأه عقد الخيار المذكور يتصرف به العاقدان كالسلعة التي تباع وتشترى، وتقام لها أسواق خاصة تكون مهمة السمسار فيها التوسط بين الباعة والمشتريين. من الجلي أن هذا الحق المذكور الذي يتضمنه عقد الخيار الموصوف مختلف تمام الاختلاف عن الحقوق القابلة للعوض كمثل تلك التي أشرنا إليها أعلاه.
ولو حاولنا استكشاف نية العاقدين وغرضهما من هذا العقد، لأن ذلك ربما يكشف لنا حقيقة هذا العقد، لو حاولنا ذلك لوجدنا أن غرض المتعاقدين من هذا النوع من العقود هو (في الأغلب الأهم) أحد أمرين أو كلاهما:
١- حماية المستثمر نفسه من خسارة متوقعة بإلقاء المخاطرة على طرف آخر وإلزامه بالشراء عند حصول المكروه بثمن يحمي ذلك المستثمر من الخسارة التي نتجت عن انخفاض الأسعار. ويلتزم الطرف الثاني بذلك مقابل ثمن يتعهد مقابله أن يشتري أسهمه (أو سنداته) بثمن محدد سلفا
٢- رغبة مستثمر في تحقيق ربح عن طريق اقتناص فرصة سنحت معتمدا في ذلك على حواسه وتوقعه لما ستكون عليه حال الأسواق والأسعار في المستقبل، فيشتري اليوم حق الحصول على أسهم بسعر يتحدد اليوم ليبيعها غدا عندما ترفع أسعارها، أو حق بيع اسهم يتوقع انخفاض سعرها.. وهكذا. ثم عندما يتحقق ما أمل فيه يبيع ذلك الحق (وربما لا يحتاج إلى إتمام صور المعاملة بشراء الأسهم أو السندات فضلا) ليحقق ما يصبو إليه من ربح. من هذا كله نرى أن هذه المعاملة رغم ما فيها من صور البيع فإنها معاملة ضارة في أغلب الأحوال، وأن أغراض المتعاملين فيها شبيه بلعب الميسر، حيث يعتمد الربح فيها على الصدفة والمخاطرة والقمار. وفيها غرر فاحش بالدرجة المفسدة لعقود المعاوضات، بل إن الباعث لحصولها هو الغرر ذاته المنبعث من عقود أخرى ينتشر استعمالها في أسواق البورصات. والله أعلم. .
وتشكل هذه الخيارات أهم نشاطات أسواق البورصة في البيوع الآجلة في الوقت الحاضر. لقد بدأت عقود الخيارات في أسواق السلع ثم انتقلت إلى بورصات الأوراق المالية حيث اكتسبت أهميتها البالغة في الوقت الحاضر. ويمثل الخيار حقا (وليس الالتزام) بشراء أو بيع سهم أو سند أو أداة مالية أخرى. وفي أسواق البورصات في الدول المتقدمة يمكن للخيار أن يكون على مؤشر سعري فقط كما سيأتي تفصيله.
ويجري تداول الخيارات في أسواق البورصات الرئيسية كما يباع ويشتري في الأسواق خارج البورصات (Over the counter: OTC) .