هل هذا حق يجوز بيعه؟ ذكرنا أن عقد الخيار إنما يعطي مشتريه حق البيع أو حق الشراء بثمن محدد. وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله (متقدموا الأحناف مثلا) أن الشيء لا يعد مالا إلا إذا أمكن حيازته وإحرازه وأمكن الانتفاع به عرفا أو عادة، فالعلم والصحة والشرف هي أمور معنوية لا يمكن حيازتها وإحرازها، والميتة والدم ... لا يمكن الانتفاع به لضررهما، وكذا حبة قمح أو قطرة ماء لتفاهته. فالمال مقصور على ما له صفة مادية محسوسة. فالحقوق نوع من الملك لا المال لأنها معنوية لا مادية ولذلك لم يجيزوا بيع حق الشفعة وحق الحضانة والولاية ... إلخ. على أن هناك أنواعا أخرى من الحقوق المعنوية يجوز أخذ البدل عنها بما يشبه البيع كحق ولي المقتول في القصاص إذ يجوز أن يأخذ الدية بدلا عنه، وحق الزوج في استمرار عقد الزواج، يجوز له التنازل عنه مقابل عوض الخلع. وحق الارتفاق وحق الشرب وحق المسيل. وقد ألحق بعضهم حق الملكية الأدبية والصناعية والاسم التجاري بهذا النوع من الحقوق (انظر مثلا وهبة الزحيلي: بيع الاسم التجاري والترخيص بحث مقدم إلى الدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي) جدة، وعلي الخفيف أحكام المعاملات الشرعية حاشية ص٣٤-٣٦.
من الملاحظ أن النوع الأول من الحق إنما ثبت من الشارع لبعض الأشخاص لدفع الضرر عنهم، وليس فيه منفعة لسواهم، أما النوع الثاني فقد ثبت لأصحابه أصالة فجاز أخذ البدل عنه. على أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومتأخري الأحناف يعرفون المال بحيث يشمل الحقوق المعنوية ولا يقصرون المال على ما أمكن حيازته وإحرازه وكان له صفة مادية. فالحق جوهره الاختصاص والاختصاص جوهر الملك وحقيقته، فإذا كانت الحقوق أملاكا فهي أموال. فإذا كان مالا جاز له فيه التصرف ومن هذه التصرفات التنازل عنه بعوض أو بغير عوض. فهل يمكن القول إن الخيار المذكور في العقد والمعاملة الموصوفة أعلاه يتضمن حقا من الحقوق التي يجوز التصرف بها بالبيع وما على ذلك؟
أولا: إن الملاحظ مما ذكرناه من كلام الفقهاء عن الحق أن الحقوق المذكورة هي حقوق ناتجة عن فعل سابق أو عن عقد سابق (ترتبت عليه علاقة بين طرفين) ، فحق ولي المقتول إنما نشأ من فعل القتل الذي تعدى به القاتل على ضحيته، وحق الزوج في استمرار عقد الزواج إنما هو حق نشأ بعقد زواج كان محله التمتع بالعلاقة المعروفة بين الزوج والزوجة ومن لوازمه الاستمرار.. وهكذا.
ثانيا: يغلب على هذه الحقوق جميعا صفة التعويض عن الضرر الذي لحق بفرد لعدم تمكنه من التمتع بحق أثبته له عقد سابق مثل حق الحضانة أو أثبتته له الشريعة كحق الشرب والمسيل والارتفاق.