ومن هذا الاختلاف أن العربون في البيع المذكور جزء من الثمن وفي الخيار ثمن منفصل عن سعر الأسهم وهو سعر الخيار ذاته وهذا اختلاف بين. أما خيار الدفع وهو الذي يكون لمشتريه حق بيع الأسهم فلا يشبه بيع العربون.
هل فيه نوع من أنواع التأمين؟ إن الدافع الحقيقي لشراء الخيار في أسواق البورصة هو الرغبة في دفع المخاطرة وضمان سعر محدد للبيع أو الشراء في المستقبل ومن ثم تفادي الخسارة. ومقابل ذلك يتنازل المستثمر عن مبلغ محدد يمثل ثمن الخيار المذكور. فكأن الخيار إذا نوع من التأمين. وهو عقد معاوضة يتضمن غررا فاحشا والبيع بهذه الصفة نوع من الميسر فالبائع إنما يبيعه مخاطرة، ففيه أكل للمال بالباطل وهو مفض إلى الظلم والتباغض. يقول المولى عز وجل:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} الآية.
هل هو وعد أم عقد؟ هل يمكن أن نتصور هذه المعاملة أنها وعد ثم عقد. فيكون الخيار في البداية وعدا بالشراء، ثم إذا تم الوفاء بالوعد حصل العقد بشراء الأسهم أو السلع الأخرى. فإذا كان الأمر كذلك ثارت فيه مسألتان: الأولى هي هل يجوز أن يكون للوعد ثمن؟ فإذا كان له ثمن أضحى نوعا من عقود المعاوضات له صفة البيع. فالخيار الذي يعمل به الناس في أسواق البورصات مستقل عن ثمن السلعة (أو الأسهم) التي يكون عليها عقد الشراء فيما بعد. الأرجح عدم الجواز لأن الوعد له حقيقة مستقلة عن العقد فكيف يكون له ثمن؟ والثاني لأنه إن كان له ثمن ثم للسلعة ثمن صار عقدين جمعا في عقد واحد وبيعتين في بيعة وهو من الأمور المنهي عنها. والمسألة الثانية: هي قضية الإلزام بالوعد. فإذا افترضنا أنه وعد هل هو ملزم أو غير ملزم؟ ومسألة الإلزام بالوعد معروفة (وفيها تفاصيل ليس هنا مجال بسطها) ، فإذا قلنا بجواز الإلزام بالوعد في عقود المعاوضات منفصلا عنه سابقا له (كما تطبقه البنوك الإسلامية في بيع المرابحة للآمر بالشراء) ، بقيت مشكلة ثمن الوعد وأنه قابل للتداول مستقلا عن العقد، فدل على أن الوعد بذاته عقد مستقل له محل وثمن.
هل هي نوع من أنواع البيوع الجائزة؟ يقول المولى عز وجل:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ، فالأصل في البيع الإباحة وتشبه هذه المعاملة البيع العادي ففيها عاقدان، مشتر وبائع، وفيها ثمن وفيها محل للعقد، فأشبهت بذلك البيع المباح ولكنها اختلفت عن اختلافا جوهريا في محل العقد. فإن الثمن معلوم ولكن المبيع هو شيء مجرد ليس له حقيقة، فالعقد واقع على حق الشراء أو حق البيع من طرف والالتزام بالشراء أو الالتزام بالبيع من الطرف الآخر. أما ما يتم تبادله فيما بعد من أسهم أو سندات أو سلع..إلخ، فإنه إنما يأتي لاحقا، وليس له علاقة عضوية بعقد الخيار لأن كليهما يمكن أن يستقل بذاته. فهذا الحق والالتزام الذي يتم بيعه وشراؤه.