للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ -هـ-٥ المستقبليات (١) (Futures) :

تنتشر في أسواق الأوراق المالية عقود تسمى العقود الآجلة، أو المستقبليات، وهي تتضمن بيع سلعة أو ورقة مالية أو مؤشر على أن يكون القبض في تاريخ لاحق. صفة هذه العقود شبيهة بعقد السلم المعروف في الفقه الإسلامي ومختلفة عنه في آن الوقت. والأرجح أنها قديمة حتى في الغرب، ولكنها لم تظهر كأداة للاستثمار والمضاربة في سوق منظمة إلا في أواخر القرن التاسع عشر في المنطقة الزراعية في الولايات المتحدة آنذاك وهي الغرب الأوسط. كان الغرض تحقيق الاستقرار في أسعار السلع الزراعية بطريقة يستفيد منها الفلاح والتاجر، وقد بدأت بالقمح، ثم انتهت بكل أنواع السلع والأدوات التي يمكن أن تباع وتشترى. واستمرت شيكاغو، المدينة الرئيسية في الغرب الأوسط مركز هذا النوع من العقود. وقد حدث التطور الرئيسي فيها في أوائل السبعينات عندما افتتح مجلس إدارة سوق شيكاغو (٢) سوقا خاصة للتعامل بهذه العقود. ليست عقود البيع الآجل هذه جديدة، ولكن الجديد فيها هو (تنميطها) بطريقة جعلتها قابلة للتداول. ففي الأسواق التي تتبادل فيها المستقبليات تلتقي رغبة بائع السلعة، مثل الفلاح الذي يتوقع أن سيكون لديه ١٠٠ طن من القمح بعد ٩ أشهر ويرغب في ضمان وجود مشتر لها، ورغبة مشتر يتوقع أنه سيحتاج إلى القمح بعد ٩ أشهر ويرغب في شرائه من الآن. ولا يحتاج أي منهما على الالتقاء بالآخر في أسواق البورصة، إذ كل ما في الأمر أن يشتري كل منهما عقدا نمطيا من سلطة السوق يتضمن تسليم كمية من القمح (٥٠٠٠ كيس تسليم شهر أكتوبر مثلا) من نوعية محددة في وقت معلوم.

ويتم تبادل السلعة مقابل النقود في الوقت المحدد للقبض وليس عند العقد. ولكن قد تحتاج كل منهما إلى تقديم ضمان أو دفع مبلغ من المال على سلطة السوق للتأكد من قدرتهما على الوفاء بالتزاماتهما، ولا تزيد هذه عادة عن ١٠ % من قيمة العقد عند التوقيع ثم نحو ٧ % في اليوم التالي. وليس من الضروري أبدا دفع القيمة كاملة، بل يكفي مبلغ يغطي الخسارة في حال تخلف أي منهما عن الوفاء.

إن الميزة الأساسية لهذه العقود كما أسلفنا هو التنميط (النمطية) فهي تتضمن على سبيل المثال كميات محددة لكل عقد (٥٠٠٠ كيس بالنسبة للقمح) ونوعيات موصوفة بدقة، تسلم خلال فترة محددة على مستودعات معينة، ثم يقوم البائع بتسليم المشتري وثيقة الإدخال إلى المستودع ويحصل مقابلها على الثمن. وهكذا الأمر في السلع الأخرى.

إن الباعث على عقود المستقبليات هو تذبذب الأسعار، وعدم القدرة على توقع أسعار المستقبل بشكل دقيق، فلو أننا عرفنا سعر القمح بعد ستة أشهر بشكل يقيني لما كان لأسواق المستقبليات أي معنى.


(١) آثرنا أن لا نسمي هذه العقود بالبيوع الآجلة حتى لا يختلط الأمر لشبهها بالعقد المعروف في الفقه الإسلامي.
(٢) Chicage Board of trade.

<<  <  ج: ص:  >  >>