للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتم عملية تداول الديون بطرق مختلفة. فقد يبيع المصدر الأصلي (أي البنك مثلا) الدين برمته إلى مالك جديد يقوم بعد شرائه هذه الديون، بقبض أقساط التسديد والفوائد المترتبة على القرض وعلى التأخير.. إلخ. وتقتصر مهمة المصدر الأصلي على خدمة العلاقة بينهما وتسمى (Pass-Throughs) ، وقد تبقى ملكية الدين للمصدر الأصلي وتبقى العلاقة مستمرة بينه وبين المدين ولكنه، أي المصدر الأصلي، يقوم ببيع تيار الفوائد المتوقع من ذلك القرض فيكون الدين مستحقا للمصدر الأصلي ويتحمل هو المخاطرة المتضمنة فيه، ولكنه يستعجل قبض الفوائد بأخذها من طرف ثالث معجلة ويسمى (Pay Throughs) ، أي أن المصدر يقبض مقدما الفوائد المتوقع دفعها فقط. أما الطريقة الثالثة فهي إصدار سندات مضمونة بتلك الديون، ثم بيعها فتكون الديون الأصلية ضمانا لتلك السندات فقط، وتسمى (Mortgaga Backed) قد تبدو هذه المعاملات شبيهة بما ورد في كتب الفقه من بيع الدين بالدين. والإجماع على عدم جواز بيع الدين بالدين (بيع الكالئ بالكالئ) ، قال الإمام أحمد: (إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع الدين بالدين) (المغني لابن قدامة: ٤/٥٣) ، وذكر ابن المنذر في الإجماع (ص ١١٧) عملا ينهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ ولبيع الدين بالدين صور متعددة تتفق جميعا في كون أن كلا البدلين دين ثابت (أو لم يكن ثابتا) في الذمة. فقد عرفه مالك في الموطأ، (.. أن يبيع الرجل دينا له على رجل بدين على رجل آخر) (الموطأ: ٢/٦٦٠) ، ومنها أن يشتري الذي عليه دين السلم، المسلم فيه- عند حلول الأجل وعدم قدرته على التسليم- من صاحب رأس مال السلم بثمن مؤجل، (نقله نزيه حماد (بيع الكالئ بالكالئ) عن أبي عبيد القاسم بن سلام) ، ومنها بيع المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض، كتأخير البدلين في عقد السلم (ابن القيم، إعلام الموقعين: ٢/٩٠) . ولعل الحكمة في منع هذه البيوع عظم الغرر المتضمن فيها.

من ذلك نرى أن الصورة التي وضحناها أعلاه في تداول الديون قد خرجت من صور بيع الكالئ بالكالئ لأنها بيع دين بعين (هي النقود) فالدين المتعلق في ذمة رجل يبيعه البنك إلى آخر نقدا لا نسيئة. الدين في المعاملة المذكورة ناتج عن قرض بفائدة وهو ربا محرم ولذلك فالمعاملة حرام ابتداء، ولكن لو افترضنا أن هذا الدين كان ناتجا عن بيع مؤجل صحيح فهل يجوز تنضيضه بالصورة التي ذكرنا؟

الأرجح أن الصورة المذكورة هي اقرب إلى الحوالة منها على بيع الكالئ بالكالئ. وبين الحوالة وبيع الدين بالدين شبه كبير، قال في بداية المجتهد: (الحوالة معاملة صحيحة مستثناة من بيع الدين بالدين) (ابن رشد، بداية المجتهد: ٢/٣٤٢) فدل على الشبه بينهما والمعاملة المذكورة وإن كانت قريبة من صيغة الحوالة فإن بينهما اختلافا، الأول: إن الإحالة هنا إنما ينشئها الدائن والمعروف أن الإحالة إنما هي فعل يقوم به المدين عن عجزه عن السداد كما قال عليه الصلاة والسلام: ((.. وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع)) ، أما المعاملة المذكورة فالمحيل هو الدائن.

<<  <  ج: ص:  >  >>