للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقصد الأول

الأخذ من الإنسان الحي

إن تنازل إنسان حي عن شيء من جملته العصبية أو عن مخه لغيره تنازل عن حياته قطعاً، وهذه الحياة لا يملكها الإنسان، لأن الله تعالى هو المالك للنفس الإنسانية عبودية، والإنسان هو المالك لها استمتاعاً فقط، لذلك لا يجوز لأحد أن يتنازل عن حياته لغيره ولا عن بعضها كما يقول القرافي: (وحرم القتل والجرح صوناً لمهجته وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك لم يعتبر رضاه ولم ينفذ إسقاطه) ، وجاء في الموافقات: إذ ليس لأحد أن يقتل نفسه ولا أن يفوت عضواً من أعضائه فقد قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [سورة النساء: الآية ٢٩] . فإذا أكمل الله على عبد حياته وجسمه وعقله التي بها يقيم التكاليف لا يصح إسقاطه شيئاً منها) .

وعلى هذا لا يجوز لإنسان حي أن يعطي من خلاياه العصبية أو يهب دماغه أو مخه لغيره، أو يبيعه أو يتنازل عن شيء من ذلك بأي وجه من الوجوه، كما يحرم ذلك على المعطي والآخذ والطبيب المعالج لأن في ذلك إتلافاً لإنسان حي وهو حرام.

لكن إذا كان هذا الإنسان الحي المعطي للخلايا العصبية أو للمخ في حالة احتضار وتوقع للموت بين لحظة وأخرى، وحكم عليه الأطباء بأنه لن يعيش أكثر من وقت قصير جداً يكون فيه دماغه أو مخه المستطيل أو مخيخه أو الحبل العصبي الممدود في العمود الفقري- يكون كل ذلك- بحالة سليمة مهيأة للتلف بالموت القادم لا محالة، وأخذ شيء من ذلك أو كله لمريض ينقصه هذا الترقيع وهو بحاجة إليه، وربما أنقذه من موت محقق لولاه فما الجواب؟ الجواب: امتناع ذلك وحرمته أيضاً لأن المريض الأول بالرغم من جزم الأطباء بموته ربما شفي فجأة فما الذي يجعلنا نحكم عليه بالموت، والحياة بيد الله عز وجل والموت بيده عز وجل وحده "، ثم إن المريض الثاني ليس لدينا يقين ولا غلبة ظن إلى الآن بأنه سينجو من موت محقق إذا رقعناه بهذه الأعصاب ... !! فالمسألة لدينا سيان ولا مرجح، فتبقى الحياة للمريض الأول مقطوعاً بها في بقاء أجهزته كاملة غير منقوصة حتى يموت، والمريض الثاني ربما شفاه الله بغير ترقيع فالله قادر على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>