إن هذه الصورة التي أصبحت ممكنة وذات فائدة كبرى للتحصيل على العضو السليم الحي، أوجبت البحث عن حقيقة الموت، ومتى يعتبر الإنسان ميتاً؟ إذ فصلنا الحياة إلى حياة عامة حقيقية بزوالها، يعتبر الإنسان ميتاً، وبين الحياة الجزئية التي يمكن أن تتحقق مع اعتبار صاحبها ميتاً، يورث ولا يرث، ويدفن، وتنفصل العلاقة الزوجية. فلو فرضنا أنه اعتبر ميتاً وولدت زوجته، فإن لها أن تتزوج بزوج آخر، وإن كان قلبه ما يزال ينبض وكلاه تشتغل، ورئتاه تؤديان الوظيفة. واعتبر الحد الفاصل بين الحياة والموت هو موت جذع المخ وأخذه في التحلل. فإذا حقن ثلاث مرات فلم يسير فيه الحقن وكشفت الأجهزة عن أخذ تركيبه في التحلل فذلك الموت الطبي والشرعي، ومن هنا أصبح المخ على اعتبار إمكان تصور تحقق زرعه من الأعضاء الفريدة في الإنسان التي لا تعوض ولا يمكن أن تبقى بها حياة بعد صاحبها، إذ هي المرجع في الحياة أو الموت. وهذا ما أحسن الأستاذ الدكتور مختار المهدي التعبير عنه لما قال إن الترجمة الحرفية لزراعة المخ هي قتل إنسان لنقل مخه لإنسان متوفى. وأكد بأن ما يقال عن زراعة المخ ما هو إلا من قبيل الخيال العلمي، وعلى الفرض ففي حال النقل انه يقال إن الجسد قد نقل إلى المخ. وليس العكس (١) على معنى أنه هل يمكن زراعة جسد كامل ما عدا المخ في مخ حي؟
والبحث يتعدى المخ إلى الجهاز العصبي المرتبط بالمخ من قوى الإحساس من الأعصاب الناقلة للأثر والأعصاب التي تحدد المدركات الحسية.
وكذلك إلى أجهزة التنفيذ المتحكمة في كل إمكانات الجسم ما كان داخلاً في إطار الوعي وما هو دون مستوى الوعي بتحكمه في جميع الأجهزة التي تقوم بوظائفها في الكيان البشري.
فهاتان الوظيفتان للجهاز العصبي قدر مشترك بين البشر لا يختلف واحد عن الآخر اختلافاً واضحاً إلا إذا أصيب الناقل بخلل أو المركز بانحراف.
(١) بحث الدكتور مختار المهدي (زراعة خلايا المخ) : ص ٢.