إن المسألة التي نحن بصدد البحث عنها هي: هل تجيز الشريعة الإسلامية بتر أي عضو من أعضاء الجسد حياً أو ميتاً مثل العين والأذن والمخ والكلية والقلب واليد والرجل وغيرها وزرعها في نفس الجسد أو في جسد غيره لأغراض طبية؟ وقد أوضحنا فيما أعلاه ضمن البحث عن كرامة الإنسان وجسده أن الشريعة الإسلامية لا تجيز أن يعامل الجسد الإنساني المحترم معاملة تسيء إلى كرامته، وما من شك في أن تقطيع الجسد الإنساني وأعضائه ومعاملته معاملة السلع والبضائع بالبيع والهبة ونقل أعضائه من مكان إلى مكان آخر أومن جسد إلى جسد آخر يعتبر انتهاكاً سافراً لكرامته، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار آراء الفقهاء بهذا الخصوص.
قال العلامة الكاساني في كتابه البدائع:"أما عظم الآدمي وشعره فلا يجوز بيعه لا لنجاسته لأنه طاهر في الصحيح من الرواية ولكن احتراماً له، والابتذال بالبيع يشعر بالإهانة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة! .
وجاء في المبسوط للسرخسي بيع الحر لا يجوز، لأن الحر لا يدخل في العقد، لأن دخول الشيء في العقد هو بصفة المالية والتقوم، وذلك لا يوجد في الحر، وجاء في البحر: "ولبن المرأة أي لم يجز بيع لبن المرأة لأنه جزء الآدمي وهو بجميع أجزائه مكرم ومصون عن الابتذال بالبيع.
وعلاوة على ذلك لا يحق لأحد التبرع بالجسد الإنساني لأن الإنسان لا يملك جسده ملكية مطلقة، بل هو ملك لخالقه سبحانه وتعالى، وليس للإنسان إلا الاستفادة بجسده وأعضائه حسب أحكام الشريعة الإسلامية.
وقال القاضي أحمد بن رشد في بداية المجتهد: (أما الواهب فإنهم اتفقوا عل أن تجوز هبته إذا كان مالكاً صحيح الملك "، فقد تبين من الاقتباسات المذكورة أعلاه من أقوال الفقهاء أنه لا يجوز بيع وهبة جسد الإنسان أو أي جزء من أجزائه حتى لا يجوز لصاحب الجسد بتر أي عضو من جسده لاستخدامه لنفسه، كما جاء في الفتاوى العالمجيري: "مضطر لم يجد ميتة وخاف الهلاك، فقال له رجل: اقطع يدي وكلها، أو قال: اقطع مني قطعة فكلها لا يسعه أن يفعل ذلك ولا يصح أمره، كما لا يصح للمضطر أن يقطع قطعة من لحم نفسه فيأكل ".