وفي الختام أرجو أن تلتفت أنظار فقهاء العصر إلى المستجدات الباهرة في العلوم الطبية والجراحية والى التطورات والمتقلبات الحديثة في الحياة الإنسانية الفردية والاجتماعية، قد يصاب عدد كبير من أولاد البشر رجالاً ونساءً وأطفالاً بجروح شديدة في لحظة واحدة نتيجة الحروب العصرية والكوارث الطبيعية، وقد حققت العلوم الطبية والجراحية نجاحاً كبيراً في إنقاذ حياة الكثيرين عن طريق نقل الدم وزرع الأعضاء، واكتسبت الأعضاء الإنسانية نوعاً من المالية والتقوم حيث تباع هذه الأعضاء حية أو ميتة، وقد يتبرع بها كمبادرة إنسانية. ومسألة نجاسة الأعضاء المبتورة مما اختلف فيها العلماء، وزراعة العضو يعتبر إعادة الحياة فيها فيبرز سؤال: ألا تعتبر إعادة الحياة في العضو المبتور بمثابة إزالة النجاسة منها وإعادة الطهارة فيها؟ وصحيح أن جسد الإنسان محترم، ألا يجوز اعتبار التبرع بالأعضاء تضحية من قبل إنسان محترم لإنسان محترم آخر بشيء يمكن له الاستغناء عنه؟
ويشهد تاريخ تطور الفقه الإسلامي أن فقهاء الأمة قد غيروا آراءهم وقد عدلوا عن آرائهم السابقة وأجازوا ما منعوه من قبل نظراً إلى التغيرات الواردة في المسألة والمستجدات من الأحوال في الموضوع، فإن جمع سور القرآن الكريم في مصحف كان يعتبر ممنوعاً في عهد النبوة وفي الأيام الأولى من الخلافة وغير الصديق الأكبر والفاروق الأعظم وبالتالي جمهور الصحابة رأيهم بعد أحداث اليمامة حيث استشهد عدد كبير من حفظة القرآن وخشي من فقدان أجزاء القرآن الحكيم، كذلك كان الفقهاء المتقدمون يحرمون الأجرة على الإمامة وتعليم الكتاب والسنة، ولكن الفقهاء المتأخرين أجازوها نظراً إلى انقطاع المنحات الحكومية وقلة رغبة الناس في الإمامة والتعليم، والنظائر والسوابق في هذا المجال كثيرة.
فيجب على فقهاء الأمة وعلماء العصر إمعان النظر في هذه المسألة الاجتهادية آخذين في عين الاعتبار الظروف السائدة والتقلبات العصرية والمصلحة العامة للأمة. هذا والله أعلم بالصواب.