للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك هي قيمة المصالح المذكورة بحسب المعيار الأول. وأما بحسب معيار العموم وعدمه، فإن طائفة منها مصالح خاصة - بلا شك - ولكنها كما ذكرنا قد تكون في مرتبة الضرورات أو الحاجيات، وكثير منها مصالح عامة يستفيد منها أناس غير محصورين، وبعض منها تافه من حيث نفعه للإنسان، وإن اصطبغ بصبغة الشمول.

نتيجة الموازنة:

بالنظر في مؤشر الميزان الذي نصبناه لوزن المفاسد والمصالح التي تذكر لاستخدام الأجنة المجهضة في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية، ومقارنة ما أشار إليه في كل منهما، يتبين أن مصالح هذا التصرف تتفوق على مفاسده من حيث الجملة. وأما من حيث التفصيل فينبغي أن ينظر إلى كل حالة بخصوصها، وإلى قيمة المصالح التي هي مظنة لتحقيقها، ومقارنتها بما سبق ذكره من المفاسد؟ لما تقدم ذكره من تفاوت مصالح ذلك التصرف بحسب الحالات والأهداف، واقتصار بعض حالات استخدام الأجنة على مصالح تحسينية، أو منافع قليلة الأهمية لا تخدم أي مقصد شرعي. فإن كانت الحالة واقعة في هذا التصوير الأخير كانت مفاسدها أعظم من المنافع التي تحققها، وكانت مستثناة من تلك القراءة الإجمالية لمؤشر الميزان.

ولذلك نرى أن الحكم الشرعي لذلك التصرف ينبغي أن يأخذ ذلك المنحى، فيقال بجواز استخدام الأجنة التي لم تستقبل الروح بعد في زراعة الأعضاء والتجارب العلمية، وجواز إسقاطها لهذا الغرض من حيث الجملة، مع ضرورة النظر إلى كل حالة على حدة ليستبعد من هذا الجواز الحالات التي تقتصر على مصالح تحسينية أو أقل منها. ومع هذا ينبغي أن يتفطن إلى أمر آخر عندما يراد معرفة حكم شرعي عملي مبناه على أساس شرعي نظري، وهو وجود بعض الأمور والاعتبارات الواقعية التي تفرض نفسها على الباحث عن ذلك الحكم العملي، وتوجب عليه مراعاتها؟ وذلك من باب طلب الدقة والاحتياط. ومن ذلك:

ا - الأساس النظري الذي بنينا عليه تحديد المفاسد وقيمتها هو ما توصلنا اليه من حقيقة الجنين قبل نفخ الروح، وأنه ليس آدمياً، وأنه مخلوق فيه نوع في الحياة تختلف عن الحياة التي تفيضها الروح على الجسد بعد اتصالها به، فتجعله إنسانا. وأن هذا الاتصال بين جسد الجنين والروح الإنسانية إنما يحدثه الله تعالى بعد تمام مائة وعشرين يوماً من تكون الجنين. فاقتضى ذلك من الناحية النظرية أن يكون محل ما ذكرناه من الحكم الإجمالي هو الجنين الحي بذلك النوع من الحياة، الذي لم يبلغ من عمره ذلك الزمن. وهذا يقتضي أن يعرف بيقين أن الجنين لم يبلغ بعد مائة وعشرين يوماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>