تقدم أن الذين ينكرون الروح أو يعترفون بها وينكرون آثارها يعتبرون الجنين إنساناً من أول لحظة يتكون فيها، فإن كان فيه حياة التطور والنمو فهو إنسان حي عندهم، فإن ذهبت منه تلك الحياة كان آدمياً ميتاً.
وتقتضي هذه النظرة للجنين أن يكون التصرف فيه بما يذهب منه حياته الطبيعية عملاً غير جائز؛ لأنه يكون قتلاً لآدمي حي، وقتل الآدمي لا مسوغ له إلا في حالة العقاب، والجنين ليس محلاً للعقاب مطلقأ.
وينبغي أن لا يختلف هذا الحكم عند أصحاب تلك النظرة بين لقيحة عمرها لحظات وجنين عمره تسعة أشهر، حيث يزعمون أن الجنين يكتسب إنسانيته بمجرد تكونه.
فإذا كان الجنين قد فقد حياته التي يتمكن بها من النمو والتطور وجب على أصحاب ذلك التصور أن يعتبروه إنساناً ميتأ، وينبغي عندئذ أن يعامل معاملة الآدمي الميت.
بل إن هذا التصور يقتضي أن لا يسمح بتلقيح بيضات تزيد عن الحاجة، كما يصنع الآن في مشاريع أطفال الأنابيب، حيث يلقح في المعمل أكثر من ثلاث بيضات، فيغرس بعضها، ويبقى الزائد احتياطاً لعدم نجاح العملية، فإن نجحت بقيت اللقائح الزائدة ليس لها مصير إلا فقدان الحياة، فيكون هذا تسبباً في قتل آدمي بناءً على تلك النظرة.
بل ذهب بعض العلماء الغربيين إلى أنه لا يجوز تجميد اللقائح في البرادات؟ لأنها كائنات بشرية، ولا يجوز سجنها بهذه الطريقة وتعريض حياتها للخطر؟ فقد جاء في صحيفة الشرق الأوسط (العدد ٣٩١٠ - عام ١٩٨٩ م) ما نصه: (اعتبر مدير المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية البروفيسور جيروم لوجون أن وضع كائنات بشرية صغيرة في مكان شديد البرودة وحرمانهم من الوقت يضعهم في وضع حياتي معلق شبيه بأوضاع معسكرات الاعتقال) .
وهذا الذي ذهب إليه هذا العالم متلائم مع تلك النظرة للجنين والإنسان، والتي لا تعترف باتصال الروح بالجسد في فترة من فترات تطور الجنين، والتي يترتب عليها اعتبار الجنين إنساناً من أول لحظة يتم فيها اتحاد المنوي مع البيضة؟ فإن الإنسان ينبغي أن يعامل معاملة واحدة لا تختلف سواء أكان صغيراً لا يرى بالعين المجردة أو كبيراً.
وأما الذين لا يعترفون بالروح أو لا يرتبون على الاعتراف بها أي أثر، ويعتبرون الجنين إنساناً من بدء تكونه، ثم يجيزون تبريده، وتوقيف نموه، وإسقاطه لأخذ أعضائه، أو لإجراء التجارب عليه، ويجيزون التسبب في موته بأية وسيلة، فهؤلاء متناقضون مع أنفسهم.