صحيح أن المخ وبقية أعضاء الجسد تختلف عن الأجهزة المادية الجامدة؟ بأنها تتكون من خلايا حية تنمو وتتطور وتموت، ولكن هذه الحياة غير عاقلة، وهي عينها حياة الجنين قبل نفخ الروح، وهي عينها حياة القلب النابض المقلوع من جسد الإنسان المحفوظ تحت ظروف معينة.
وبناء على هذا التصور في مبدأ نشوء التصرفات الإرادية عند الإنسان، فإن أغلب ظني أن نقل بعض الخلايا العصبية إلى الدماغ أو الجهاز العصبي لا ينقل معه أي مقوم من مقومات الشخصية، كالعقائد والعواطف والفكر والإرادة والشعور، وإنما يثمر تحسنا في عمل الدماغ المستفيد، كما يثمر نقل العين تحسناً في الإبصار، فيصبح الدماغ أفضل استجابة لأوامر الروح التي خص الله بها صاحب هذا الدماغ. والدماغ في هذا كبقية أعضاء الجسد (١) ؛ لأن علاقة الجميع بالروح واحدة من حيث النوعية، وهي علاقة الجندي المطيع بالقائد الآمر الناهي، وإن كانت علاقة الدماغ بالروح أعظم من حيث الأهمية؛ لأن سيطرة الروح على الجسد كله إنما هي بوساطته.
وبناء على ما تقدم فإني لا أرى مانعاً يمنع من نقل خلايا الجنين العصبية وغرسها في جهاز عصبي أو دماغ لإنسان محتاج ما دام ذلك ضمن الشروط السالفة الذكر.
٥ - والشرط الخامس يقتضيه الاحتياط أيضاً لبعض المقاصد الشرعية؟ فإنه لما كان الجنين – وان لم تنفخ فيه الروح – أصلاً للآدمي، وكان التصرف فيه في الزراعة والتجارب قد تتخذ ذريعة لأعمال تتنافى مع مقاصد الشارع، ولا يكون الهدف من ذلك التصرف ما ذكره الأطباء من المصالح المعتبرة، كأن تستعمل أجزاء الجنين للتجارة، مما يتنافى مع كرامة الآدمي بامتهان أصله ومادته، وكأن تستعمل اللقائح الزائدة في مشاريع أطفال الأنابيب استعمالاً يؤدي إلى اختلاط الأنساب، كأن يزرع في رحم امرأة أجنبية، وقد تباع لأجل هذا الغرض. وكأن تستعمل تلك اللقائح في بحوث غير جادة ولا هادفة، ولا حاجة إليها. لما كانت هذه الاستعمالات وغيرها مما يتنافى مع مقاصد الشرع ممكنة الوقوع، فإن إباحة استخدام الأجنة في مجال زراعة الأعضاء والتجارب العلمية ينبغي أن تحاط بجملة من القيود التنفيذية؟ فلا يسمح بذلك الا لمراكز محددة ومتخصصة ومراقبة بأجهزة فعالة، بحيث لا يدخلها شيء من الأجنة ولا يخرج منها إلا أن يكون تحت نظر المراقبين.
(١) وهذا ينطبق أيضاً على الخصية والمبيض، ولكن حرم نقلهما لمعنى آخر لا يوجد في سواهما من الأعضاء، وهو أن الشرع شدد في الاحتياط للأنساب، فقصر طريقة التناسل المشروعة على صورة واحدة، وهي أن يكون النسل قد تكون من اتحاد منوي رجل وبيضة امرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينهما، وحرم أية طريقة أخرى. فإذا نقلت خصية رجل لآخر، ثم عاشر المتلقي زوجته انتقل إليها منوي مصدره تلك الخصية المنقولة. والأمر بعد ذلك يتوقف على تحديد من ينسب إليه ذلك المنوي: أهو المتبرع أم المتلقي؟ فإن كان للأول وقع المحظور الشرعي؟ لأن النسل عندئذ سيتكون من منوي رجل غريب عن المرأة صاحبة البيضة، وليس بينها العلاقة الشرعية، علاقة الزوجية. والأطباء كلهم متفقون على أن ذلك المنوي ينسب إلى الأول؟ بناء على أنه يتكون من الخصية مباشرة، ويتم تصنيعه من موادها الأولى، ولا تحتاج إلى أية مواد خارجية تدخل في تصنيع النطفات التي تحتوي على الحيوانات المنوية. وبناء عل أن الصفات الوراثية الموجودة في الحيوانات المنوية الناتجة من الخصية المنقولة إنما تتبع المتبرع لا المتلقي، ولأن تلك الصفات لا تتغير بعد نقلها بحيث تصبح تابعة للمتلقي، بل تظل تتبع المتبرع؛ لأن مصدر تلك الصفات، وهو ما يسمى بالجينات، يجعل الله فيها برنامجاً محدداً منذ البداية، أي عندما خلقها في الجنين، ولا يحدث أي تغيير في برنامجها، وإن نقلت إلى شخص آخر. ومثل ذلك يمكن أن يقال في المبيض (انظر بحث: "غرس الأعضاء في جسم الإنسان، للدكتور محمد أيمن صافي، ص ١٣، وبحث الدكتور محمد علي البار: "زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسلية " ص ٧، ٩. وبما تقدم يتضح أن هذين العضوين: الخصية والمبيض يختلفان عن بقية أعضاء الجسد بما فيها الدماغ؟ فإن أية معاشرة جنسية يقوم بها من تلقى بعض الخلايا العصبية أو أي عضو آخر لا يخشى أن تكون سبباً في خلط الأنساب. كما أن النقل ذاته لا يتسبب في نقل الأفكار والمشاعر والعقائد كما أسلفنا، فلا يرد عليها ما قيل آنفاً عن الخصية والمبيض.