لا شك بأن تصدي مجمع الفقه الإسلامي لمثل هذه المواضيع المستجدة وبيان حكم الشرع فيها يعتبر خطوة جبارة لها وزنها العلمي والحضاري في عالم اليوم ولبنة جديدة في صرح الفقه الإسلامي الشامخ الذي اعتصرت فيه عقول جهابذة العلماء من السلف والخلف - رضوان الله عليهم أجمعين -. لقد تقدمت الإشارة إلى أن هذه النازلة من النوازل التي لم يرد بشأنها نص من كتاب أو سنة. ومن هنا أطلق علماء الأصول على أمثال هذه الحالة اسم المصالح المرسلة: وعرفوها بأنها "كل مصلحة غير مقيدة بنص من الشارع يدعو إلى اعتبارها أو عدم اعتبارها، وفي اعتبارها مع هذا جلب نفع أو دفع ضرر" والشارع الإسلامي هو الذي يستهدف في أحكامه تحقيق مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم وهو أيضاً الذي يقدر ما إذا كان عملاً معيناً يحقق لهم مصلحة، أي يجلب لهم نفعاً أو يدفع عنهم ضرراً والمصالح التي أدخلها الشارع في اعتباره قسمها الأصوليون إلى ثلاثة أقسام: مصالح معتبرة، أي قام الدليل على اعتبارها. مصالح ملغاة، أي قام الدليل على إلغائها. مصالح مرسلة، أي لم يقم دليل على اعتبارها أوإلغائها، وهذ االقسم الثالث - أي المصالح المرسلة - هو الذي ينطبق على موضوعنا لكننا قبل أن نلج الموضوع نشير هنا بإيجاز إلى الصنفين السابقين - أي المصالح المعتبرة والمصالح الملغاة - حتى يتجلى صلب البحث للمصالح المرسلة. فنقول: بأن المصالح المعتبرة تنقسم على نفسها إلى ثلاثة أقسام:
ا - مصالح ضرورية: وهي التي تتوقف عليها حياة الناس في الدنيا والآخرة، وبدونها تتوقف الحياة وتنحصر في المحافظة على خمسة أمور، هي: الدين، النفس، العقل، النسل، المال. وهي ما يعرف عند الفقهاء بالكليات الخمس.
٢ - مصالح حاجية: وهي التي لا تحقق مصلحة ضرورية، ولكنها تدفع الحرج والمشقة عن الناس، مثل: إباحة بعض صور المعاملات.
٣ - مصالح تحسينية: وهي التي لا تستهدف المحافظة على مصلحة ضرورية ولا حاجية، ولكنها تستهدف الأخذ بمحاسن العادات ومكارم الأخلاق والوصول بالمجتمع إلى الكمال الإنساني. ومصالح ملغاة: أي قام الدليل على إلغائها مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا رهبانية في الإسلام)) .