كما أن لجذور هذه المسألة مستنداً أصيلاً من السنة النبوية الشريفة، بالإضافة إلى القواعد الفقهية التي تشكل أساس الاجتهاد في هذه المسألة كما أشرنا إلى ذلك. فقد ثبت بالسنة أن أعرابياً قال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال:" نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " رواه أحمد. وفي رواية:"نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحد " قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال:(الهرم) . وفي لفظ:"إلا السام"، وهو الموت.
قواعد دفع الضرر ورفع المشقة:(١) الضرر يزال، (٢) الضرورات تبيح المحظورات، (٣) يرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما، (٤) يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، (٥) الضرورة تقدر بقدرها، (٦) المشقة تجلب التيسير، (٧) الأمر إذا ضاق اتسع. ثم الضرورات إذا حصلت فإن الضرر يزال. والضرورة تبيح المحظور. والمشقة تجلب التيسير. وتأسيساً على هذه الفواعد المترابطة الآخذة بعضها بحجز بعض جالت أنظار العلماء المتقدمين في عدد من الفروع الفقهية في غذاء الآدمي عند الاضطرار أو دوائه وأشياء أخرى. كلها واردة على مقصد الشرع في ضرورة حفظ النفس بين الجواز والمنع والقبول والكراهة.
٤ - اتفق الفقهاء على أن وصل الجسد بعظم من حيوان طاهر للتداوي به أو للاستعاضة به عن عضو أو عظم فقده صاحبه جائز، وإن وصل بعظم نجس مع وجود الطاهر أو بدون ضرورة تدعو إلى ذلك، فهو غير جائز ويجب نزعه عند الجمهور في هذه الحالة، إلا إن خيف من هلاك أو عطب. أما إن تعين العظم النجس فلا مانع من الاستفادة منه عند الضرورة.
٥ - إن الطب الحديث قد بلغ اليوم شأواً بعيداً عما كان عليه بالأمس فقد تجاوز مرحلة تثبيت أنف أو أنملة أو سن اصطناعي أو وصل الجسم بعظم إنسان أو حيوان آخر تجاوزه إلى زراعة كلية مكان أخرى، وتركيب قلب مكان قلب آخر، وإلى استبدال عين سليمة بأخرى تالفة. وهو بهذا التقدم الذي بلغه اليوم إنما يعيد الأمل إلى الإنسان ويضع في الوقت نفسه أسمى امتحانات التعاون والإيثار.