إن تنويه الإسلام بقدسية الإنسان وكرامته ورعاية الشريعة الإسلامية المطهرة لذلك في سائر الأحكام الشرعية حقيقة ثابتة لا يرتاب فيها باحث أو فقيه يتمتع بملكة فقهية تؤهله لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية حتى يظهر له بأن رعاية الكرامة الإنسانية داخلة دخولاً أولياً في المقاصد أو المصالح التي هي محور الشرع الإسلامي الحنيف. ومن هنا أيضاً فإن إنقاذ حياة الإنسان أو تمتعه بعضو أصيل في جسمه أصبحت ضرورة راجحة في سلم المصالح المعتبرة شرعاً. وتأسيساً على هذه القواعد الأصولية والفقهية المترابطة والآخذة بعضها بحجز البعض الآخر، والتي يدور محورها على مقصد الشرع في ضرورة حفظ النفس، وبما أن أوسع هذه القواعد شمولاً وأرسخها في البنيان الفقهي الإسلامي هي قاعدة المقاصد الخمس والترتيب الذي صنفت من حيث الأمية على وفقه، وهي: مقاصد: الدين، فالحياة، فالعقل، فالنسل، فالمال. وبما أن ما وصل إليه الطب في عالم اليوم يرقى إلى درجة استعادة مقومات الحياة بعد فقدها أو بعد الإشراف على فقدها، فإن جواز العلاج بالأجنة المجهضة أو الفائضة عن الحاجة بشروطها الشرعية يدخل في دائرة الجواز في إنجاز أهم المقومات الضرورية لمصلحة الحياة، ويدخل حكمها في دائرة القاعدة الأولى من القواعد أو الكليات الخمس الضرورية، وهي: الحياة: أي الكلية الثانية إذا ما أخذ الترتيب بعين الاعتبار، وهي: الدين، الحياة، العقل، النسل، المال. والله أعلم.
المؤيدات للبحث الشرعي في الموضوع:
النصوص من الكتاب الكريم. لقد أرست بعض الآيات الكريمة القواعد التي تحفظ على النفس البشرية حياتها، والتي تنهى عن تعريضها للهلاك. قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[سورة النساء: الآية ٢٩] .
وفي قصة نبي الله أيوب عليه السلام لما أصابه السقيم وأعياه المرض نادى ربه "أني مسني الشيطان بنصب وعذاب " فأمره تعالى بما كان سبباً في شفائه، وهو القادر على أن يشفيه بلا سبب. قال تعالى: {واذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وشَرَابٌ} [الآيتان ٤١ و٤٢ من سورة ص] . وقال تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[سورة البقرة: الآية ٩٥ ا] .