للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك بأن الشريعة الإسلامية قد حثت على التداوي ودعت إليه، وبينت أن لكل داء دواء، وما على الإنسان إلا أن يبحث وينقب ليكشف المرض والعلاج؛ والأحاديث النبوية في ذلك معروفة. إن من مقاصد الشريعة وأهدافها السامية والأساسية في المجتمع الإنساني رعاية المصالح وتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأن هذه الرعاية للمصالح تقوم على نظر متكامل يقدم الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات، بل إنها في إطار الضروريات تقيم نسقاً دقيقاً للمفاضلة بين المصالح عندما تتعارض: - الضرورات تبيح المحظورات؛ والضرورة تقدر بقدرها؟ والحاجة تنزل منزلة الضرورة.. إلى غير ذلك. وأن إقراره عليه الصلاة والسلام بأن لكل داء دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، يفتح باب العلاج على مصراعيه ويمهد السبل أمام الباحثين لاستكشاف الأدواء وما لم يعلم بالأمس ربما يعلم اليوم أو غداً هذا مع أن الإسلام جاء لعلاج الأرواح من ظلمات الأخلاق والسلوكيات التي تجعل الجسم يعيش معتلاً. وهذا ما يصلنا إلى الاستدلال في هذا الموضوع بعموم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبعد ذلك القواعد الفقهية والمبادىء العامة التي استنبطها الفقهاء المسلمون من تلك العموميات والإطلاقات لنفرع عليها من الأحكام في موضوعنا، وسوف نشير إلى بعض تلك الآيات والأحاديث في صفحة واحدة ملحقة بهذا البحث كمؤيدات على وجه العموم للمعنى الفقهي الواسع وتوحيداً لنظرية التطابق مع القواعد الأصولية التي سقناها في صلب الموضوع كنظرية تبنى عليها الأحكام الشرعية عندما لا يوجد دليل غيرها كدليل ينص على مأخذ الحكم الشرعي من الدليل. علما بأن إحياء النفوس مطلب شرعي صرحت به الآية الكريمة. قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [سورة المائدة: الآية ٣٢] . لقد استبط الفقهاء قواعد فقهية وضوابط أصولية تعتبر بمثابة الأصول لمسائل تفرعت عليها الأحكام، ومن ذلك قولهم: المشقة تجلب التيسير: وهي القاعدة الرابعة من قواعد الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي. ويخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته، وعد منها المرض ومن رخصة التداوي بالنجاسات وبالخمر على أحد القولين وتخرج على هذه القاعدة قولهم: الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق. وسوف نشير إلى بعض هذه القواعد العامة في المؤيدات بعد الإشارة إلى الآيات والأحاديث النبوية وبعض الأقوال الفقهية في نهاية البحث إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>