وأريد أن أتكلم عن كل واحدة من هذه المسائل في فصل مستقل وبالله التوفيق.
المسألة الأولى
زرع المجني عليه عضوه
٤ - أما المسألة الأولى، وهي أن يعيد المجني عليه عضوه المقطوع إلى محله، فأول من سئل عنها وأفتى فيها فيما أعلم: إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى. فقد جاء في المدونة الكبرى:
"قلت: (القائل سحنون) أرأيت الأذنين إذا قطعهما رجل عمداً، فردهما صاحبهما فثبتتا، أو السن إذا أسقطها الرجل عمداً، فردها صاحبها فبرئت وثبتت، أيكون القود على قاطع الأذن أو قالع السن؟ (قال: أي ابن القاسم) سمعتهم يسألون عنها مالكاً، فلم يرد عليهم فيها شيئا (قال) وقد بلغني عن مالك أنه قال: في السن القود وإن ثبتت، وهو رأيي، والأذن عندي مثله أن يقتص منه. والذي بلغني عن مالك في السن لا أدري أهو في العمد يقتص منه، أو في الخطأ أن فيه العقل، إلا أن ذلك كله عندي سواء في العمد وفي الخطأ (١)
٥ - ثم تتابعت فيه الروايات عن الإمام مالك وتلامذته رحمهم لله، واتفقت الروايات جميعا على أن المجني عليه في العمد إن أعاد عضوه إلى محله، فلا يسقط به القصاص عن الجاني، سواء كان العضو قد عاد إلى هيئته السابقة أو بقي فيه عيب، أما إذا كانت الجناية خطاً فإن قضي على الجاني بالدية، ثم أعاد المجني عليه عضوه بعد القضاء، فالروايات متفقة أيضاً على أن الأرش لا يرد. وأما إذا أعاد عضوه قبل القضاء على الجاني بالدية، ففيه ثلاث روايات. وقد فصل ابن رشد الجد هذه المسألة في كتابه "البيان والتحصيل" فقال:
"وأما الكبير تصاب سنه فيقف له بعقلها، ثم يردها صاحبها فثبتت، فلا اختلاف بينهم في أنه لا يرد العقل إذ لا ترجع على قوتها. هذا مذهب ابن القاسم، وقول أشهب في كتاب ابن المواز، وروايته عن مالك.
(١) المدونة الكبرى، باب ما جاء في دية العقل والسمع والأذنين: ١٦/١١٣.