للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على أن العضو المبان من الآدمي الحي طاهر مطلقاً. وأما العضو المنفصل من غيره، فإنما يحكم بنجاسته إذا لم يتصل بعد الإبانة بمحله الأصلي، فلو اتصل وحلته الحياة، عاد طاهراً.

٢٧ - وإن هذه النصوص بظاهرها معارضة لما نقلنا عن كتاب الأم. فلعل ما في كتاب الأم رجع عنه الشافعي بعد ذلك، أو اختار الفقهاء الشافعية قولاً يخالف رأيه، وعلى كل، فالمذهب عند الشافعية الآن طهارة العضو المبان من الآدمي. وعليه فلا يؤمر بقلعه إذا أعاده إلى محله، ولا يحكم بنجاسته وفساد صلاته.

٢٨ - أما الحنفية، فالأصل عندهم أن الأعضاء التي لا تحفها الحياة، كالظفر، والسن، والشعر، لا تنجس بإبانتها من الآدمي الحي. ولكن الأعضاء التي تحفها الحياة، مثل الأذن، والأنف وغيرهما، فإنا تنجس بعد إبانتها من الحي. ولكن قرر المتأخرون منهم أنها ليست نجسة في حق صاحبها، فلو أعادها صاحبها إلى أصلها، لا يحكم بنجاستها، وإنما هي نجسة في حق غيره. فلو زرعها غير المقطوع منه في جسمه كانت نجسة. وهذا أيضاً إذا لم تحفها الحياة. أما إذا حفتها الحياة بعد الزرع، فلا نجاسة في حق الغير أيضاً.

٢٩ - أما الأصل المذكور فقد بينه ابن نجيم بقوله:

"إن أجزاء الميتة لا تخلو: إما أن يكون فيها دم أو لا، فالأولى كاللحم نجسة، والثانية ففي غير الخنزير والآدمي ليست بنجسة إن كانت صلبة، كالشعر والعظم بلا خلاف ... وأما الآدمي ففيه روايتان: في رواية نجسة ... وفي رواية طاهرة لعدم الدم، وعدم جواز البيع للكرامة " (١)

ولكن جاء في الفتاوى الخانية:

"قلع سن إنسان، أو قطع أذنه، ثم أعادهما إلى مكانه وصلى، أو صلى وفي كفه سنه أو أذنه، تجوز صلاته في ظاهر الرواية" (٢)

٣٠ - والمسألة مذكورة في التجنيس، والخلاصة، والسراج الوهاج أيضاً، كما في البحر ورد المحتار. واستشكلها بعض العلماء بالأصل المذكور، فإن الأذن تحفها الحياة، فينبغي أن تصير نجسة بالإبانة على ما ذكرنا من أصل الحنفية. وأجاب عنه المقدسي، كما نقل عنه ابن عابدين بقوله:

"والجواب عن الإشكال أن إعادة الأذن وثباتها إنما يكون غالباً بعود الحياة إليها، فلا يصدق أنها مما أبين من الحي، لأنها بعود الحياة إليها صارت كأنها لم تبن، ولو فرضنا شخصاً مات، ثم أعيدت حياته معجزة، أو كرامة، لعاد طاهراً" (٣)


(١) البحر الرائق: ١/ ١٠٦.
(٢) فتاوى قاضي خان: ١ /١٧- فصل في النجاسة تصيب الثوب.
(٣) وهذا عين الدليل الذي استدل به الشبراملسي من الشافعية في حاثية نهاية المحتاج، وقد مر قريباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>