٤٣ - والمنزع الثاني: أن بين الحد والقصاص فرقاً، وهو أن المقصود من القصاص أن يصيب الجاني ضرر مماثل لضرر المجني عليه، وذلك يحصل بإبانة عضوه، فإن الجناية الصادرة من الجاني لم تتجاوز أن تقطع عضواً، ولم تكن مانعة من إعادته إلى محله إذا اختار المجني عليه ذلك. فكذلك استيفاء القصاص يحصل بمجرد الإبانة، ولا يمنع ذلك أن يعيد الجاني عضوه إلى محله. بخلاف إبانة العضو في الحد، فإنه ليس مقابلا لضرر مماثل، وإنما هو مقدر من الله تعالى عقوبة ابتدائية، وحيث قد فرض الله سبحانه وتعالى قطع اليد أو الرجل فليس المقصود منه فعل الإبانة، وإنما المقصود إبانته لتفويت منفعته على الجاني، ولو أجزنا للجاني أن يعيده مرة أخرى، فإن ذلك تفويت لمقصود الحد.
٤٤ - فالنظر في المسألة موقوف على أن المقصود من الحد هل هو إيلام الجاني بفعل الإبانة فقط، أو المقصود تفويت عضوه بالكلية؟ وعلى الأول تجوز الإعادة، وعلى الثاني لا تجوز. ولكل من الاحتمالين دلائل. ولا يجب علينا القطع بأحدهما الآن، لكون المسألة غير متصورة الوقوع حتى اليوم. ولئن وقعت فسيشرح الله تعالى صدر الفقهاء حينذاك بما فيه رضاه إن شاء الله تعالى.