للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذه الحكمة العادلة في تشريع الحدود والقصاص دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في القصاص والحدود مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة المائدة: الآية ٣٣] وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة المائدة: الآية ٣٨] . ومثل قوله تعالى في القصاص: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [سورة البقرة: الآية ١٧٨: ١٧٩]

ومن الأحاديث:

ما روى البخاري: عن عروة عن عائشة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد امرأة. قالت عائشة وكانت تأتي بعد ذلك , فارفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتابت وحسنت توبتها.))

وروى الترمذي: عن عبد الرحمن بن محيريز قال: ((سألت فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في عنق السارق أمن السنة هو؟ قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه)) . رواه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف لكن الترمذي حسنه وأخرج أن علياً رضي الله عنه قطع يد سارق فمروا به ويده معلقة في عنقه.

قال الشوكاني في "نيل الأوطار" معلقاً على الحديث الآنف الذكر: فيه دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر ما لا مزيد عليه، فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وما جره إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة من الانزجار ما تنقطع به وساوسه الرديئة. وختاماً للبحث أنقل للقارىء الكريم تعليقات بعض المفسرين على قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة المائدة: الآية ٣٨] ، أؤيد بها رأيي في عدم جواز زراعة العضو المقطوع بحد أو قصاص، قال الإمام محمد رشيد رضا في تعليقه على الآية: هذا تعليل للحد أي اقطعوا أيدهما جزاء لهما بعملهما وكسبهما السيىء ونكالا وعبرة لغيرهما فالنكال مأخوذ من النكل وهو بالكسر قيد الدابة ونكل عن الشيء عجز عنه أو امتنع صرفه عنه فالنكال ما ينكل الناس عنهم عن أن يسرقوا، ولعمر الحق أن قطع اليد الذي يفضح صاحبه طول حياته ويسمه بميسم الذل والعار وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم وكذا على أرواحهم لأن الأرواح كثيراً ما تتبع الأموال إذا قاوم أهلها السراق عند العلم بهم: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، فهو غالب على أمره حكيم في صنعه وفي شرعه فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة (١)

وقال ابن كثير في التعليق على قوله تعالى: {جزاء بما كسبا نكالا من الله} أي مجازي على صنيعهما السيىء في أخذهما أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك نكالا من الله أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب ذلك (٢)


(١) تفسير المنار: ٦/ ٣٨٠.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/٥٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>