للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الطبري في التعليق على قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية، لا ترثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود فإنه والله ما أمر بأمر قط إلا وهو صلاح وما نهى عن أمر قط إلا وهو فساد (١)

وقال محمد بن علي الصابوني في التعليق على قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية، وهذه العقوبات تعتبر بحق رادعة زاجرة تقتلع الشر من جذوره وتقضى على الجريمة في مهدها وتجعل الناس في أمن وطمأنينة (٢) واستقرار. قال فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف في التعليق على قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [سورة البقرة: الآية ٦٦] .

يقال نكل به تنكيلاً إذا صنع به صنيعاً يحذر غيره والاسم النكال وهو ما نكلت به غيرك وأصله من النكل وهو القيد الشديد واللجام لكونهما مانعين وجمعهما أنكالا وسميت العقوبة أنكالا لأنها تحذر غير من نزلت به ارتكاب ما أوجبها (٣)

وقال الدكتور محمد محمود حجازي: حد الله هذا الحد جزاء للسارق ونكالا للغير ومنعاً له حتى لا يقع في مثل ما وقع فيه، فإن قطع اليد ميسم الذل والعار الذي لا يمحى أبداً والله عزيز لا يغالب في كل ما سنه لنا من قوانين (٤)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه " السياسة الشرعية ": وأما السارق فيجب قطع يده اليمنى بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية، ولا يجوز بعد ثبوت الحد عليه بالبينة أو الإقرار تأخيره لا بحبس ولا مال يفتدى ولا غيره، بل تقطع يده في الأوقات المعظمة وغيرها فإن إقامة الحدود من العبادات كالجهاد في سبيل الله، وينبغي أن يعرف أن إقامة الحد رحمة من الله بعباده فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات لا إشفاء غيظه وإرادة العلو على الخلق بل بمنزلة الوالد إذا أدب ولده فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تستر به الأم رقة ورأفة لفسد الولد وإنما يؤدبه رحمة وإصلاحاً بحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه وبمنزلة قطع العضو المتآكل والحجام وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة فكذلك شرعت الحدود وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها، فإن من كان قصده صلاح الرعية والنهى عن المنكرات بجلب المنفعة لهم ورفع المضرة عنهم وابتغاؤه بذلك وجه الله تعالى وطاعة أمره لأن الله له القلوب وتيسرت له أسباب الخير وكفاه العقوبة اليسيرة وقد يرضى المحدود إذا أقام عليه الحد، وأما إذا كان غرضه العلو عليهم وإقامة بأسه ليعطوه أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال انعكس عليه مقصوده. اهـ. بهذه التعليقات أعود فأؤكد رأيي أنه لا تجوز الرأفة بالجاني والعطف عليه بإعادة عضوه الذي قطع حداً أو قصاصاً. وبالله التوفيق.

الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ


(١) الطبري: ٦/٢٢٩.
(٢) روائع البيان تفسير آيات الأحكام: ١/٥٥٧.
(٣) صفوة البيان: ص ١٩.
(٤) التفسير الواضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>