للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أجل ذلك وضع الله الحدود وضعاً شرعياً كافلاً لراحة البشر في كل زمان ومكان حتى يكون الناس في مأمن وتمتنع الجرائم التي ترتكب، فكل فعل سيىء يحدث في الأرض قد لا يمكن إصلاحه إلا بالعقوبة.

فالعقوبة إذا مصلحة للمجتمع، وليس في الشريعة ما يمنع من أن تكون أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح لا لكونها مفاسد بل لكونها مؤدية إلى المصالح بل إن دفع الضرر مقدم على جلب المنافع.

جاء في قواعد الأحكام ... ربما كانت أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح، لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح، وذلك كقطع الأيدي المتآكلة حفظاً للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد، وكذلك العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد بل لكون المصلحة هي المقصودة من شرعها كقطع يد السارق وقاطع الطريق، وقد سميت مصالح من قبيل المجاز بتسمية السبب باسم المسبب (١)

وجاء في موضع آخر منها: الأطباء يدفعون أعظم المرضين بالتزام بقاء أدناهما ويجلبون أعلى السلامتين والصحتين ولا يبالون بفوات أدناهما وإن الطب كالشرع وضع لجلب مصلحة السلامة والعافية ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك ولجلب ما أمكن (٢) فالعقوبات شرعت لمصلحة تعود إلى كافة الناس.

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الله أوجب الحدود على مرتكبي الجرائم التي تتقاضاها الطباع، وليس عليها وازع طبعي، والحدود عقوبات لأرباب الجرائم في الدنيا كما جعلت عقوبتهم في الآخرة بالنار إذا لم يتوبوا، ثم إنه تعالى جعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فمن لقيه تائباً توبة نصوحاً لم يعذبه مما تاب منه" (٣)

ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: (شرعت العقوبات رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان اليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة بهم كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض) (٤)


(١) قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام: ١/١٢.
(٢) قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام: ١/ ٤.
(٣) أعلام الموقعين: ٣/ ١٥٦.
(٤) اختيارات ابن تيمية: ص ٥٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>