للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن قطع اليد في السرقة عقوبة لها أثرها في القضاء على هذه الجريمة.

والشريعة الإسلامية المحكمة تهدف من وراء ذلك إلى حماية الجماعة وحفظها حتى تقضي قضاء تاماً على خطر يهدد الناس في أموالهم، وما يتبع ذلك من ترويع وإذلال. فلقد أحكم الشارع الحكيم وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجناية وشرعها على أكمل الوجوه مع عدم مجاوزة ما يستحقه الجاني من عقاب حتى يكون العقاب مكافئاً للجريمة، ولم يترك تحديد العقاب على السرقة إلى اجتهاد أو نظر أو رأي جماعة لما في ذلك من التناقض الذي لا تؤمن عاقبته ولا يضمن فيه تحقيق العدالة التي يجد الناس فيها أماناً من الظلم والقهر بل إن من رحمته سبحانه وتعالى بعباده ورأفته بهم أن تكفل بتقدير العقوبات عل الخطير من الجرائم حتى تحفظ الضروريات الخمس - التي هي حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ النسل، وحفظ العرض، وحفظ المال. وجعل لكل جريمة عقوبة تناسبها قد يخفى علينا تعقلها ومعرفة الحكمة منها.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا المعنى ما نصه (١)

فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك، وترتيب كل عقوبة عل ما يناسبها من الجناية جنساً ووصفاً وقدراً لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب ولعظم الاختلاف واشتد الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين مؤونة ذلك، وأزال عنهم كلفته، وتولى بحكمته وعدله ورحمته، تقديره نوعاً وقدراً ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة وما يليق بها من النكال. اهـ. فالإسلام في أهدافه السامية معني بتوفير الحياة الكريمة والعيش المطمئن ولا يكون ذلك إلا بحماية الفضيلة، والقضاء على الفساد والرذيلة، وكل ما شأنه أن يدنس واجهة الإسلام التي أرادها نقية ناصعة، ولما كانت الغاية السامية تبرر الوسيلة الحازمة، وأن القسوة والشدة ليست شراً دائما كان من العدل الضرب بشدة على يد من لا يراعي مصلحة الجماعة، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله، فالعدل كل العدل أن يعاقب من يستحق العقاب، وليس أجدر بذلك النوع من العقاب الأ المجرمون الذين تقتضي طبيعة جرائمهم أن تتم في الخفاء الذي يترك الرهبة والرعب الشديد في نفوس الناس.


(١) انظر أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية: ٢/٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>