للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن في حد السرقة معنى آخر وهو أن السرقة إنما تقع من فاعلها سراً كما يقتضيه اسمها ولهذا يقولون: فلان ينظر إلى فلان مسارقة إذا كان ينظر إليه نظراً خفياً لا يريد أن يفطن له، والعازم على السرقة مختف كآثم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به، ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء.

واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران، ولذلك يقال وصلت جناح فلان إذا رأيته يسير منفرداً فانضممت إليه لتصحبه، فعوقب السارق بقطع اليد قصا لجناحه، وتسهيلاً لأخذه إن عاود السرقة فإذا فعل به هذا في أول مرة بقي مقصوص أحد الجناحين ضعيفاً في العدو ثم يقطع في المرة الثانية رجله فيزداد ضعفاً في عدوه، فلا يكاد يفوت الطالب، ثم تقطع يده الأخرى في الثالثة ورجله الأخرى في الرابعة، فيبقى لحما على وضم، فيستريح ويريح. اهـ. (١)

ويقول في موضع آخر - وأما القطع فجعله عقوبة مثله عدلاً وعقوبة السارق فكانت عقوبة به أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد ولم تبلغ جناية حد العقوبة بالقتل فكان أليق العقوبات به إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس، وأخذ أموالهم، ولما كان ضرر المحارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظم ضم إلى قطع يده قطع رجله ليكف عدوانه وشر يده التي بطش بها، ورجله التي سعى بها، وشرع أن يكون ذلك من خلاف لئلا يفوت عليه منفعة الشق بكماله، فكف ضرره وعدوانه، ورحمه بأن أبقى له يداً من شق ورجلاً من شق (٢)


(١) أعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تحقيق وضبط عبد الرحمن الوكيل طباعة دار الكتب الحديثة شارع الجمهورية بعابدين: ٢/ ٩٥، ٩٦.
(٢) أعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تحقيق وضبط عبد الرحمن الوكيل طباعة دار الكتب الحديثة شارع الجمهورية بعابدين: ص ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>