للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول رحمه الله تعالى في موضع آخر: فصل: وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن تمام حكمة الشارع أيضاً، فإن السارق لا يمكن الاحتزاز منه فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتزاز أكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضاً وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب والمختلس، فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم (١)

وقال عبد الرحمن الجزيري: حد السرقة من الحدود الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فذكر الله تعالى حده في الآية الكريمة. وأمر بقطع يد السارق ذكراً كان أو أنثى، عبداً، أو حراً، مسلما أو غير مسلم صيانة للأموال وحفظاً لها، ولقد كان قطع يد السارق معمولاً به في الجاهلية قبل الإسلام فلما جاء الإسلام أقره وزاد عليه شروطاً معروفة (٢) إلى أن قال: ولهذا علل الله تعالى قطع اليد في السرقة بقوله عز وجل: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، أي تقطع مجازاة على صنيعهما السيىء في أخذهما أموال الناس بأيديهما فناسب أن يقطع العضو الذي استعانا به على ذلك: {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب ذلك الفعل، وعبرة لغيرهما، فإن قطع اليد يفضح صاحبه طول حياته ويجلب له الخزي والعار ويسقطه في نظر المجتمع، وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة، وتأمين الناس على أموالهم وأرواحهم، وأعراضهم.


(١) أعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تحقيق وضبط عبد الرحمن الوكيل طباعة دار الكتب الحديثة شارع الجمهورية بعابدين ص ٤٤.
(٢) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، تأليف عبد الرحمن الجزيري - المجلد الخامس: ص ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>