وهذا القول منقوض مردود وهووهم وليس من الحكمة في شيء ولأجل أن نوقف هؤلاء الناقدين والطاعنين على الإسلام في وجوب العقاب هكذا نبين لهم بقدر الإمكان ضرر السرقة، ثم نكل إلى ذوي العقول منهم الحكم بعد ذلك.
أولاً: إن المرء يكد ويكدح في هذه الحياة طلباً للرزق وما يقوم به أود حياته إما بفلح الأرض واستثمارها فيصهر جلده لعاب الشمس في الصيف ويهري أطرافه الزمهرير في الشتاء، وهكذا من المشاق التي يعانيها الفلاح المسكين كما هو مشاهد لنا برأي العين، وإما بالسفر مشياً على القدمين أو ركوباً على الدابة معرضاً نفسه للوحوش الضارية والسباع الكاسرة في فسيح الفلوات وبين الجبال والوهاد، يترقب الخطر كل لحظة وأخرى والطامة الكبرى إذا فقد الزاد فإنه يقع بين خطرين عظيمين وهما فقد الأمن والزاد. وفي هذه الحالة يكون الموت والهلاك منه قاب قوسين أو أدنى، هذا مع بعد المسافات واحتمال الحر والبرد. وإما بركوب السفن فيكون دائما معرضاً للخطر إذا هبت الرياح الهوج وهاج البحر واضطرب وجرت السفينة في موج كالجبال خصوصاً إذا كان البر بعيدا والقاع عميقاً في المحيطات الكبرى الفسيحة اللجج والغمرات. وقد يكون الريح ساكنا فتتعطل السفينة إذا لم تكن بخارية وتطول الشقة ويفنى الزاد، وهكذا من وعثاء السفر وإما بالاتجار في البضائع وهو في بلده فيوماً يربح ويوماً يخسر. وآونة يفقد رأس المال وهو في كلتا الحالتين يبقى دائما في همين. هم وقوع الخسارة إذا لم يربح أو فقد رأس المال فهو دائما في كد وكدح وهم ونصب. وإما بمباشرة الصناعة التي تهد الجبال وتفني الجسد. وإما بالخدمة في الحكومة أو غيرها فهو دائما في تعب وذل لسطوة الرؤساء وغطرستهم وعقابهم إياه أهمل أو لم يهمل، بل لمجرد الصولة والسطوة، وربما كان عقابه قطع راتبه شهراً أو أقل أو أكثر أو الرفت في بعض الأوقات، فيكون الضرر أعظم كما لا يخفى. وهلم جراً من الأعمال التي يعانيها الإنسان في سبيل الكسب والتي يعرض لأجلها روحه على الموت، والتي تدعو أرباب الأعمال في كثير من الأحايين إلى الإضراب عن العمل وتوقف الحركة فيختل النظام ويجرد الحسام كما هو واقع في الشرق والغرب.