وقال في موضع أخر: وعلة فرض عقوبة القطع للسرقة أن السارق حينما يفكر ني السرقة إنما يفكر في أن يزيد كسبه بكسب غيره، فهو يستصغر ما يكسبه عن طريق الحلال ويريد أن ينميه من طريق الحرام، وهو لا يكتفي بثمرة عمله فيطمع في ثمرة عمل غيره، وهو يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق أو الظهور أو ليرتاح من عناء الكد والعمل أو ليأمن على مستقبله، فالدافع الذي يدفع إلى السرقة ويرجع إلى هذه الاعتبارات وهو زيادة الكسب أو زيادة الثراء وقد حاربت الشريعة الإسلامية هذا الدافع في نفس الإنسان بتقرير عقوبة القطع لأن قطع اليد أو الرجل يؤدي إلى نقص الكسب إذ اليد والرجل كلاهما أداة العمل أياً كان، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء، وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق وعلى الظهور ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل والتخوف الشديد على المستقبل.
فالشريعة الإسلامية بتقريرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة، فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية وارتكب الإنسان الجريمة مرة كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارفة فلا يعود للجريمة مرة ثانية.
ذلك هو الأساس الذي قامت عليه عقوبة السرقة في الشريعة الإسلامية، وإنه لعمري خير أساس قامت عليه عقوبة السرقة من يوم نشأة عالمنا حتى الآن. وإنه السر في نجاح عقوبة السرقة في الشريعة الإسلامية قديماً. وهو السر الذي جعلها تنجح نجاحاً باهرا في الحجاز في عصرنا هذا فتحوله من بلد كله فساد واضطراب ونهب وسرقات إلى بلد كله نظام وسلام وأمن وأمان.