للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ان دعواهم أن قطع يد السارق يترتب عليه تقليل اليد العاملة، وأنه مدعاة للتسول دعوى باطلة، فإن إقامة الحد عليه من شأنها في السنة الكونية وما دلت عليه التجارب العملية منع تكرار الجريمة أو تقليلها حتى لا تقع إلا نادراً، وبذلك لا تتعطل الأيدي العاملة، ولا يتأثر العمل في الحياة بما قطع منها نادراً، ولا يكون ذلك أيضاً مدعاة للتسول، فإن طرق الكسب الحلال كثيرة يسهل على من قطعت يده أن يجد سبيلاً من بينها يتناسب مع حاله، وإن كان أقل كسباً ممن لم تقطع يده، لكنه خير له من اللصوصية، والاعتداء على أموال الناس وسلبهم إياها بغير حق، وإزعاج الأمة، والذهاب بأمنها على مالها أو نفسها ودمها، بل التسول أخف شراً من آثار السرقة وما ينشأعنها من الخطر والبلاء العام، فليعطف هؤلاء على الأمة وليرثوا لمصابها بدلاً من أن يحنوا حنواً كاذباً على المجرم الأثيم وليرحموا المجتمع في أمنه الذي حرمه، وطمأنينته التي سلبها، وليردوا إليه سلبه بالقضاء على هذا، ففي ذلك العدل والإنصاف واستقامة الأمور، وراحة الرعية والحكام (١)

٤ - والمقصود الأهم أن ليس المراد بحد القطع مجرد إيلام السارق والتنكيل به وقتياً، وردعه وردع الناس عن هذه الجريمة ووسائلها بمشاهدة القطع وإعلانه حال التنفيذ، بل القصد أيضاً أن يرى الجاني يده مقطوعة كلما حدثته نفسه بالعودة إلى مثل فعلته الخبيثة، فيكف خشية أن يصاب بمثل ما أصيب به من قبل ويزداد بلاؤه، ويتجدد خزيه وعاره، وليراه الناس كلما واجهوه واختلط بهم، وشاهدوا أثر الحد، فيحذروه وينتبهوا لمكانه منهم، ويتقوا غائلته ذلك بأن أثر هذا الحد شعار ينادي في الناس عند كل مناسبة أن انتبهوا إلى ذات أيديكم وخذوا حذركم حتى لا تسلب أموالكم (٢)

بهذا يأمن الناس على ما ملكت أيمانهم وعلى أنفسهم، وتطمئن بهم مضاجعهم وينامون ملء أعينهم إذ لا خوف ولا إزعاج، بل الأمن والسلام، وما أعظمهما نعمة على العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

عبد الله سليمان بن منيع


(١) يرجع لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وكلام ابن القيم، وكلام الدكتور الشافعي وغيرها من البحث.
(٢) يرجع لكلام العز ابن عبد السلام، وكلام الشيخ رشيد رضا، وكلام الشيخ عبد الرحمن الجزيري، وكلام الدكتور فاروق النبهان من البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>