للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أنه تعالى شرع الحدود والتعزيرات حماية لمقاصد الشريعة، وحفظاً لمصالح العباد ضرورية وحاجية وتحسينية، فأوجب حد القتل في الردة مثلاً، والتعزير في وسائلها، حفظاً للدين وأوجب القصاص حفظاً للنفس والأطراف، والتعزير فيما قد يفضي إلى ذلك من سباب وتشاجر ونميمة وظن سوء وشهر سلاح في المجامع العامة الآمنة، وأوجب الجلد والرجم في الزنا، حفظاً للنسل والأنساب والأعراض، وشرع التعزير في وسائله من خلوة بأجنبية، وسفر امرأة بلا محرم أو زوج ونحو ذلك، وأوجب الحد في شرب الخمر حفظاً للعقل، وحرم وسائلها، وشرع فيها التعزير، وأوجب قطع اليد في السرقة حفظاً للمال.

وكل ما ذكر من حدود وتعزيرات فيه ردع للناس، وزجر لهم عن ارتكاب الجرائم الموجبة لها والمؤدية إليها، وحفظ للأمن العام، وبعث للطمأنينة في النفوس، واستقرار لأوضاع الحياة، ومنع للهرج والاضطراب في المجتمع، إلى غير هذا مما تصير به العيشة هنيئة، والحياة سعيدة، حضراً وسفراً، ولذلك شرع إعلان هذه العقوبات، ليتحقق أثرها في الجاني وغيره ممن شاهد أو بلغه إقامة الحد (١)

٣ - إن استبشاع بعض الناس قطع يد السارق، واعتبارهم إياه في زعمهم - وحشية، وتشويهاً لخلق الإنسان وتقليلاً للأيدي العاملة - ومدعاة للتسول إنما نشأ ذلك من جهلهم بالعواقب، ورعاية لمصالح المجتمع، والمنهاج السوي الذي رسمه العليم الخبير الرؤوف الرحيم لقيادة الأمم وسياستهم بما فيه صلاح الجميع، وإن فات في سبيل ذلك بعض المصالح الجزئية الخاصة، فإن رعاية المصلحة العامة الكلية أحق وأولى من رعاية المصلحة الجزئية الخاصة.


(١) المسألة الأولى من النوع الأول في مقاصد الشريعة من الجزء الثاني من كتاب الموافقات للشاطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>