للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناء على هذا فإن الضرورة إذا اقتضت استعمال عضو غير طاهر كان ذلك جائزاً شرعاً والحكم فيه حكم التداوي بالمحرمات ولا يجوز التداوي بالمحرمات إلا إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك وانتفى وجود غير الدواء المحرم شرعاً وهذا الحكم يمكن أن يتغير زماناً أو مكاناً لأنه يدور مع العلة وجوداً وعدماً إذ إن الإفتاء بجواز التداوي بدواء معين وهو محرم شرعاً أو الإفتاء بجواز استعمال العضو غير الطاهر بالجسم لا يجوز إذا اكتشف بعد حين دواء ينوب مناب ذلك الدواء المحرم شرعاً والجائز استعماله بمقتضى الضرورة يكون استعماله حراماً شرعاً إذا زالت الضرورة وهكذا دواليك في حرمة استعمال العضو غير الطاهر إذا ناب منابه عضو طاهر، ولهذا قلنا إن هذا الحكم متعلق وجوده وعدمه في العلة وقد اقتضت الضرورة جواز الصلاة مع وجود النجاسة على الجسم في بعض المسائل منها جواز الصلاة في الثوب الملطخ بطين الشارع مع احتمال كونه نجساً وقتها وجواز الصلاة مع النجاسة الغليظة على العورة عند من لم يبح كشفها ضرورة والنجاسة المخففة غير مبطلة للصلاة ما لم تبلغ أكثر من ربع الثوب أو ربع البدن والمبيح لذلك هو الضرورة ولهذا جاز قياس حكم زرع العضو غير الطاهر في الجسم على حكم النجاسة المعفو عنها بمقتضى الضرورة والحاجة، ولا فرق بين العضو الاصطناعي إذا غاب في الجسم أو إذا أظهر بعضه لأن الأول يقاس على النجاسة المستمرة في المعدة والثاني يقاس على النجاسة الظاهرة المباحة بسبب الضرورة وقد نقل الفقيه الكاساني جواز الصلاة مع وجود النجاسة الغليظة إذا كانت بقدر الدرهم (١) وحيث ان ما يحل الانتفاع به جاز بيعه عند أبي حنيفة وان كان نجساً إلا الخنزير، فقد جاز بيع وشراء العضو النجس إذا اقتضت الضرورة استعماله ولعل مقتضى الضرورة لا يعد هذا الحكم مخالفاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اذا حرم على قوم كل شيء حرم عليهم ثمنه)) (٢) وقد أبيح بيع كلب الصيد المتخذ للحراسة وبيع السرجين بسبب الانتفاع به وحجتهم في ذلك ما روي عن جابر: ((نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد)) (٣)


(١) انظر بدائع الصنائع، للكاساني: ١ /٢٥٨- ٢٥٩.
(٢) رواه أحمد وأبو داود، وانظر نيل الأوطار: ٥/ ١٦٠ - ١٦١.
(٣) رواه النسائي، وانظر نيل الأوطار: ٥/١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>