للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أصحابنا: ولا يجوز أن يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه، فإن جبر بنجس ينظر، فإن كان محتاجاً إلى الجبر ولم يجد طاهراً يقوم مقامه فهو معذور وان لم يحتج إليه أو وجد طاهراً يقوم مقامه أثم ووجب تركه إن لم يخف تلف نفسه ولا تلف عضو ولا سبباً من الأعذار المذكورة في التيمم، فإن لم يفعل أجبره السلطان ولا تصح صلاته معه ولا يعذر بالألم الذي يحدثه إن لم يخف منه وسواء اكتسى العظم لحما أم لا وهذا هو المذهب وبه قطع الجمهور، لأنها نجاسة أجنبية حصلت من غير معدته ومنه وجه ضعيف شاذ أنه إذا اكتسى اللحم لا ينتزع وإن لم يخف الهلاك حكاها الرافعي ومال إليه إمام الحرمين والغزالي وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، فإن خاف في النزع هلاك النفس أو هلاك العضو أو فوات منفعة لم يجب النزع على الصحيح في الوجهين.

وقد قاس الفقيه الشيرازي حكم جواز استعمال العضو النجس بسبب الخوف من التلف على حكم جواز أكل المضطر من لحم الميتة والخنزير لاتحاد العلة. ومن الحنابلة قال الفقيه ابن قدامة رحمه الله: إذا أجبر عظمه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر وأجزأته صلاته لأنها نجاسة باطنة يتعزر بإزالتها فأشبهت دماء العروق وقيل: يلزمه قلعه ما لم يخف التلف) (١) واستعمال هذه الأعضاء مقرون بالضرورة إذ لو وجد البديل الطاهر لكان أولى ولكن استئصاله ليس بواجب على الأرجح إذا كان الاستئصال غير ممكن إلا بعملية جراحية فيها احتمال الفشل، قال الإمام النووي في استئصال الوشبم: (الموضع الذي وشم يصير نجساً، فإذا أمكن إزالته بالعلاج وجبت ازالته وإن لم يمكن إلا بالجرح، فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئاً فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته، فإذا تاب لم يبق عليه إثم وإن لم يخف شيئاً من ذلك ونحوه لزمته إزالته) (٢) وبناء على هذا يجوز استعمال أجزاء الحيوان في عملية ترقيع الجلد أو استئصال أمعائه أو استئصال أجزائه في تخيط العمليات الجراحية صرح النووي بأن ذلك كحكم التجبير بعظم الحيوان غير الطاهر والفيصل في ذلك الحاجة والضرورة التي يقدرها الأطباء المشهورون بالاستقامة.


(١) انظر المغني لابن قدامة: ١/ ٧٢٩.
(٢) انظر صحيح مسلم لشرح النووي: ١٤/١٠٦، الطبعة الثانية، دار الفكر، بيروت، لبنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>