للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ابن حزم فإن حجته مجملها أن مواراة الميت وجب بالنص ومن أكله فقد خالف النص ومخالفة النص عصيان، والذي نراه أن الضرورة قد تكون سبباً في مخالفة حكم المواراة فلو مات رجل في سفينة لجاز تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ثم رميه في البحر ليستقر في بطن الحوت بلا مواراة ثم العضو الذي ينقل من الميت إلى الحي ستدب فيه الحياة، وبهذا لا تجب مواراته، وللمالكية حجة أخرى خلاصتها أن الميت يجب أن يصان وأخذ أعضائه هتك لصيانته إلا أن الفقيه النووي قال: هذا ليس بشيء، وعلل قوله هذا: بأن حرمة الحي آكد من حرمة الميت وصفوة القول أن صيانة الميت واجبة إلا أن صيانة الحي بأخذ عضو من أعضاء الميت جائزة بناءاً على مقتضى الضرورة: قال الألوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة البقرة: الآية ١٧٣] .

استدل بعموم الآية على جواز أكل المضطر ميتة الخنزير والآدمي خلافاً لمن منع ذلك (١) وإذا كان الأكل جائز من الإنسان الميت بمقتضى الضرورة فإن نقل أعضائه إلى الإنسان الحي أولى بالجواز لأن الأكل فيه شيء من الامتهان بينما نقل عضو الميت إلى جسم الحي فيه عزة له إذ الحياة ستدب فيه ووجوده في جسم الحي أولى من وجوده في التراب وللشريعة الإسلامية تيسير ورفع حرج في جواز جرح الميت إذا اقتضت الضرورة. من ذلك قول الشيرازي في المهذب: "وإن ماتت امرأة وفي جوفها جنين حي شق جوفها، لأنه استبقاء حي بإتلاف جزء من الميت فأشبه ما إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت" (٢)


(١) انظر الخلاف في هذه المسألة في تفسير القرطبي: ١/٦٠٨، طبعة الشعب.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي: ١/٥٨، روح المعاني: ٢/ ٤٢، فغ القدير: ١/٤٧٣، المحلى: ٧ /٣٩٩- ٤٢٦، حاشية الدسوقي مع شرح الدردير: ١/٤٢٩، ٢ /١٦١، القوانين الفقهية: ص ١ ٥ ١، المجموع ٩/ ١ ٤، ٢ ٥، المغني: ٤ ١ ١/ ٧٩، شرائع الإسلام: ٣/ ٢٣١، البحر الزخار: ٥/ ٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>