للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال البخاري بالحرف: "عن عائشة أن جارية تزوجت فمرضت وتساقط شعرها، فأرادوا أن يصلوا شعرها بشعر آخر، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ((لعن الله الواصلةوالمستوصلة)) .

قال القسطلاني في إرشاد الساري، وتابع المحاملي هذه الرواية، فقال في أماليه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وساق نفس الرواية وأوردها بسند آخر عن فضيل بن سليمان، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، حدثتني أمي صفية عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن ((امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أنكحت ابنتي ثم أصابها شكوى فتمزق شعرها وزوجها يستحثني بها أفأصل رأسها؟ فسب رسول صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة)) وفيه أن معاوية سماه الزور، ثم قال: وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الشعر زوراً لأنه كذب وتغيير لخلق الله تعالى، والأحاديث صريحة في الوصل مطلقاً وهو الظاهر المختار.

قال القسطلاني أيضاً وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت بشعر الآدمي فهو حرام بلا خلاف، لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته (١)

ولما وصل لتغيير خلق الله قال: " المغيرات خلق الله " وحكى قصة ابن مسعود المتقدمة، ثم قال: "وسبب لعن المذكورات أن فعلهن تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس وخداع، ولو رخص فيه لاتخذه الناس وسيلة إلى أنواع الفساد، ولعله قد يدخل في معناه صنعة الكيمياء، فإن من تعاطاها يروم أن يلحق الصنعة بالأجسام والخلقة فهو خطر عظيم يجر كثيراً من المفاسد (٢)

وقال النووي على شرح مسلم ما ملخصه بحرمة تغيير الخلق، وساق قصة الأنصارية التي أرادت أن توصل شعر ابنتها، مع استحسان الزوج لذلك، فأجابها النبي عليه صلاة الله وسلامه بلعنة من تفعل ذلك، ومضى في شرح الوصل المتقدم إلى أن قال: " لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزاء جسمه" (٣)

وفي الأبي على شرح صحيح مسلم أيضاً بعد أن ساق لفظ حديث الوصل المتفق عليه في جميع كتب الحديث، قال: لا يجوز للمرأة أن تغير شيئاً من خلقها، بزيادة فيه أو نقص منه قصد التزوج أو غيره " (٤)

وعندما ساق الترمذي الحديث في صحيحه تحت باب ما جاء في مواصلة الشعر، قال الأحوذي ما نصه: ((عن عمر، لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة ... )) : الحديث.

قال ابن العربي: "هذا الحديث صحيح ثابت من طرق في كل كتاب شرط الصحيح أو لم يشترطه، وذلك حرام بإجماع الأمة " (٥) يعني الوصل، وساق رواية ابن مسعود عن المرأة التي قالت له: سمعت عنك رواية ... وقد تقدم تفصيل ذلك. ومضى في هذا السياق إلى أن قال: " إن الله سبحانه وتعالى خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيأة الأصلية ثم فاوت في الجمال بينها، فجعلها مراتب، فمن أراد أن يغير خلق الله فيها، ويبطل حكمته بها فهو ملعون، لأنه أتى ممنوعاً ".

وقد أورد الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث بروايتين عن عائشة وبأخرى عن أسماء بنت أبي بكر، ولكنه لم يذكر: المغيرات خلق الله (٦)


(١) إرشاد الساري: ٨/ ٣٢٣.
(٢) إرشاد الساري: ٨/ ص ٤٨٠، ونفس القول قاله أبو الوليد الباجي في شرحه للموطأ.
(٣) النووي شرح مسلم بهامش إرشاد الساري: ٨/٤٣٣.
(٤) الأبي شرح صحيح مسلم: ٥/٤٠٧.
(٥) حاشية الأحوذي على صحيح الترمذي: ٧/٢٦٣.
(٦) مسند الإمام أحمد: ٦/ ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>