للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

الإخصاء

أورد الطبري في تفسيره، والقرطبي، وابن العربي؟ وكذلك شراح الحديث كشرح ابن حجر للبخاري المسمى فتح الباري، وشرح القسطلاني المسمى إرشاد الساري، وحاشية الأحوذي على صحيح الإمام الترمذي، كلهم قالوا بأن من بين معاني الآية الكريمة: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} الآية المتقدمة، هو: الخصاء، وعزاه ابن العربي لابن عباس.

وبعد أن استعرض الإمام الطبري كثيراً من التفاسير بالمأثور للآية الكريمة المتقدم ذكرها آية تغيير الخلق، قال: "وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه، ووشره وغير ذلك من المعاصي " (١)

إلى أن قال: (وبعضهم وجد معنى هذا إلى الخصاء والوشم دون غيرهما، وإنما فعل ذلك أن معناه عنده كل ما يتعلق بتغيير الأجسام) .

قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن بنفس الأقوال التي ساقها الطبري في تأويله لمعنى الآية الكريمة، وبين أن التغيير كل عمل يجعل هيأة الجسم على غير الحالة التي خلقه الله عليها، وحكم بأن من يفعل ذلك، قد عرض نفسه للعنة الله.

وعند تفسيره لقول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الآية ٣٠ من سورة الروم] .

قال القرطبي: "يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملاً بريئاً من العيوب، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه ويوسم وجهه فتطراً عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان وهو

تشبيه واقع ووجه صحيح وواضح " (٢)


(١) الإمام الطبري في الصفحات المتقدم ذكرها.
(٢) القرطبي: ١٤/ ٢٩، تفسير الآية ٣٠ من سورة الروم.

<<  <  ج: ص:  >  >>