للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتبين أن قبض رأس مال السلم في مجلس العقد شرط لصحة السلم عند الجمهور، وإنما أجاز مالك تأخير القبض إلى يوم أو يومين أو أكثر إن لم يكن التأخير شرطًا في صلب العقد، فتأخير قبض الثمن إن كان مشروطًا في العقد، فإنه لا يجوز عند أحد من الفقهاء.

أما في المستقبليات، فإنَّ تأخير قبض الثمن مشروط في العقد، فلا يصح سلمًا عند أحد من الأئمة الأربعة. وقد يقال: إن حصة من الثمن مدفوعة إلى البائع عند العقد، ولكن ذلك لا يجدي نفعًا في تصحيح هذا التعامل، أما أولًا، فلأن دفع بعض الثمن لا يكفي لصحة السلم، بل يجب دفع الثمن بكامله كما ذكرنا، وثانيًا: إن ما يوضع لدى إدارة السوق ليس جزءًا من الثمن، ولا يدفع إلى البائع، وإنما هو مبلغ مودع لدى طرف ثالث ليكون ضمانًا على الوفاء بالتزام المشتري.

٢- وبما أن الثمن لا يدفع إلى البائع عند العقد، فالثمن دين على المشتري كما أن المبيع دين على البائع، فصار هذا بيع الكالئ بالكالئ، وهو ممنوع بنص الحديث فيما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ)) (١) .

وقد يقال: إن إدارة السوق تضمن أداء الثمن، فبفضل هذا الضمان أصبح الثمن كأنه مدفوع إلى البائع. ولكن هذا التوجيه ليس بصحيح، لأن ما يشترط لصحة السلم هو أن يقع دفع الثمن فعلًا، لا أن يكون مضمونًا أو موثقًا من قبل إحدى الجهات، لأن ضمان الطرف الثالث لا يخرج الثمن من كونه دينًا، فلا يكون هذا البيع إلَّا بيع دين بدين، وهو لا يجوز.


(١) السراج المنير، للعزيزي: ٤/٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>