للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانطلاقًا من الملاحظة الأولى يمكن القول: إن الاشتراك في شركة تنص قوانينها على أنها تتعامل بالربا لا يجوز، وكذلك تلك التي يعرف منها ذلك ولو كان أصل مال الشريكين حلالًا والدخول في هذا النوع من الشركات حرام وباطل.

وأما تلك التي أصل مالها حلال ولا يوجد شرط ولا عرف بالتعامل بالربا، إلَّا أنها يديرها من لا يتحرج من تعاطي الربا، فهذه يُفَصَّلُ فيها: فإن كان الشريك الذي يتحرج من الربا يشارك في ناشطها ويطلع عليه بحيث يمنع من تسرب الربا إليها فهذا جائز، وإن لم يكن كذلك بل تجري معاملاته في غيبته، فإن ذلك لا يجوز بداية، ويصح عقد الشركة في النهاية. فإذا تحقق وقوع بعض المعاملات الربوية فإنه يتصدق بالربح المتعلق بتلك المعاملة وجوبًا لتطهير ماله، وإذا لم يتحقق بل شك في ذلك فإنه يندب له التصدق.

هذا حصيلة ما يفهم من كلام العلماء في مختلف المذاهب وما تدل عليه الأصول العامة للشريعة، وإليك بعض نصوص العلماء المتعلقة بالموضوع تصريحًا أو تلويحا: قال ابن قدامة: " قال أحمد يشارك اليهودي والنصراني ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه ويكون هو الذي يليه لأنه يعمل بالربا "، وبهذا قال الحسن والثوري، وكره الشافعي مشاركتهم مطلقًا لأنه روي عن عبد الله بن عباس أنه قال: " أكره أن يشارك المسلم اليهوديّ، ولا يعرف له مخالف في الصحابة، ولأن مال اليهودي والنصراني ليس بطيب فإنهم يبيعون الخمر ويتعاملون بالربا فكرهت معاملتهم "، ولنا ما روى الخلال بإسناده عن عطاء، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاركة اليهودي والنصراني إلَّا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم)) ، ولأن العلة في كراهة ما خَلَوْا به، معاملتهم بالربا وبيع الخمر والخنزير وهذا منتف فيما حضره المسلم أو وليه، وقول ابن عباس محمول على هذا فإنه علل بكونهم يربون، كذلك رواه الأثرم عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قال: لا تشاركن يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا مجوسيًّا لأنهم يربون، وأن الربا لا يحل، وهو قول واحد من الصحابة لم يثبت انتشاره بينهم وهم " الشافعية " لا يحتجون به، وقولهم: إن أموالهم غير طيبة لا يصح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عاملهم ورهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله وأرسل إلى آخر يطلب مه ثوبين إلى الميسرة، وأضافَةُ يهوديٌ بخبز وإهالة سنخة، ولا يأكل النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس بطيب، وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه حلال لاعتقادهم حلَّه، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وَلُّوهم بيعها وخذوا أثمانها، فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة فإنه يقع فاسدًا وعليه الضمان لأن عقد الوكيل يقع للموكل والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير فأشبه ما لو اشترى به ميتة أو عامل بالربا، وما خفي أمره فلم يعلم فالأصل إباحته وحِلَّه" (١) .


(١) المغني، لابن قدامة: ٧/١٠٩ – ١١٠ -١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>