للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه ابن رشد أوجه الخلاف في مستغرق الذمة الذي أحاط الربا بماله، أو أحاطت التباعات به في مسألة من نوازل سحنون فقال ابن رشد: بعد حذف أول كلامه فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال (١) : أحدها: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول عطيته ولا أكل طعامه ولا يسوغ لوارثه ميراثه. والثاني: أن المستغرق الذمة بالحرام يجوز قبول هديته وأكل طعامه ويسوغ لوارثه ميراثه، والثالث: أن المستغرق الذمة لا يجوز قبول هبته ولا أكل طعامه، ويسوغ لوارثه ميراثه.

وجه القول الأول أن ما عليه من الظلامات والتباعات لما كانت مستغرقة لما بيده من المال كان كمن أحاطت الديون بماله، لا تجوز هبته ولا عطيته ولا معروفه، ولا يسوغ لوارثه ميراثه، لكون ما عليه من التباعات أودى بماله، لأنها كالديون عليه، وقال الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (٢) .

ووجه القول الثاني أن ما عليه من الظلامات والتباعات وإن كانت مستغرقة لماله فليست متعينة فيه إذ قد ترتبت في ذمته، فساغت عطاياه لمن أعطاه إياها وساغ ماله لوارثه، وكان هو المسؤول المؤاخذ بما عليه من المظالم والتباعات إذا لم يؤدها أو لم يتصح منها في حياته.

ووجه القول الثالث أن ما عليه من المظالم والتباعات (أحق بماله لأنه مأمور بردها منه عاص لله عز وجل في ترك) ذلك وتأخيره، فلا يجوز له فيه عطية ولا معروف، ولا يسوغ ذلك للمعطي فإذا لم يفعل ذلك حتى مات بقيت عليه التباعات يطلب بها في الآخرة، وساغ ماله لوارثه، إذ ليست التباعات التي عليه ديونًا لمعينين يطلبونها فيجب إخراجها من ماله قبل الميراث، وقد أفردنا للتكلم على حكم مال من خالط الحرامُ ماله في حياته وبعد وفاته مسألة حاوية لجميع وجوهها، فمن أراد الشفاء منها في نفسه طالعها وبالله التوفيق.


(١) البيان والتحصيل: ١٨/٥٧٩ وما بعدها.
(٢) سورة النساء: الآية ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>