للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتمادا على استنتاجاته غير الصحيحة فجعله بعد وقته الحقيقى بمائة عام (١٢٣)، فيجوز لنا أن نعدّه امتدادا/ متطورا لحركة تدوين الحديث فى العصر الأموى. لقد بدأ تصنيف الحديث فى وقت عرفت فيه الحركة العلمية فى المجتمع الإسلامى عموما مدونات جامعة.

ففى الوقت الذى ألف فيه ابن إسحاق، وأبو مخنف وغيرهما مصنفات جامعة فى التاريخ أى فى أواخر العصر الأموى وفى بداية العصر العباسى، يمكننا أن نثبت وجود عدد من علماء الحديث فى مناطق مختلفة من الدولة الإسلامية، وصفوا بأنهم «أول من صنف الكتب» أو «أول من صنف الحديث» وتخبرنا عن هؤلاء المصنفين المبكرين بعض المراجع القديمة التى وصلت إلينا، مثل: العلل لأحمد بن حنبل (١٢٤) والصحيح للترمذى (١٢٥) والتقدمة لابن أبى حاتم (١٢٦) وقد حدد أبو طالب المكى (المتوفى ٣٨٦ هـ/ ٩٩٦ م) أول بداية ممكنة لهذا العمل بالفترة بين سنة ١٢٠ هـ وسنة ١٣٠ هـ. (١٢٧) ومن أوائل المصنفين نذكر


(١٢٣) عرف جولدتسيهر Goldziher ,Muh.Stud.II ,٢١١ - ٢١٢ اسمى العالمين: عبد الملك بن جريج (المتوفى ١٥٠ هـ/ ٧٦٧ م) وسعيد بن أبى عروبة (المتوفى ١٥٦ هـ/ ٧٧٣ م). وقد أقام رأيه بأنه لا يجوز أن نتوقع فى ذلك الوقت بدايات كتب المصنف على أساس النص التالى الوارد عند أحمد بن حنبل عن سعيد بن أبى عروبة: «هو أول من صنّف الأبواب بالبصرة ... لم يكن له كتاب إنما كان يحفظ» (انظر: التهذيب للنووى ص ٧٨٧ والتذكرة للذهبى ١٧٧). وقال عنه: «هذا الخبر يسر إلينا بشك مبررا فى صحة ما يستنتج من نص ابن حنبل فيما يتعلق بتاريخ الكتب» فقد فهم من العبارة: «أنه لم يكن له كتاب وانما كان يحفظ» أنه لم يؤلف كتابا وأضاف قائلا: «إذا جاز لنا أن ننسب إلى تلك الفترة كتبا ذات تصنيف منهجى فهى ليست مجموعات حديث ولكنها بروح عصرها كتب فقه انتظمت فيها الابواب- كمحاولة أولى- وفق موضوعات الفقه، ولم تكن تخلو من السنة الخاصة بهذه الموضوعات.» ويعترض على هذا بما يأتى:
أ- لو أراد مريد أن يثبت بالخبر المذكور أن سعيد بن أبى عروبة لم يؤلف كتابا فإن هذا ينسحب على كتب الفقه.
ب- لم يعرف القرن الثانى للهجرة فرقا جديرا بالذكر بين كتب الفقه وكتب الحديث المصنف.
ج- هناك أمثلة كثيرة تظهر لنا فى وضوح أن الخبر المذكور يعنى أن ابن عروبة كان ذا حافظة طيبة ولم يكن يهتم كثيرا بما يدوّنه بنفسه، وهو ما أطلق عليه «حديث ابن أبى عروبة».
د- هناك نصوص كثيرة قديمة وصلت إلينا حول عمله كمصنف، انظر سزجين: مصادر البخارى ص ٤١ - ٤٥
(١٢٤) العلل لابن حنبل ١/ ٣٤٨.
(١٢٥) الصحيح للترمذى، بولاق ١٢٩٢، ٢: ٣٣٢ وشرحه لابن الأعرابى (القاهرة ١٩٣١ - ١٩٣٤ م) ١٢: ٣٥٤ - ٣٠٥.
(١٢٦) التقدمة لابن أبى حاتم ١٢٧، وانظر كذلك: سزجين Sezgin ,Buh Kayn.٤٠ ٤٤
(١٢٧) قوت القلوب (القاهرة ١٣١٠ هـ) ١/ ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>