للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الأخبار العديدة ما يفيد بأن دواوين الشعراء قبل بدء الإسلام بفترة قصيرة وفى السنوات الأولى للإسلام كانت تروى شفهيّا عن طريق الرواة مع أنها كانت مكتوبة مدوّنة. (١١) ومن المرجح أن صحابة الرسول كانوا يروون كتبه (رسائله) (١٢)، أو أوامر الخلفاء إلى الولاة (١٣) بنفس الطريقة. وكان الناس فى ذلك الوقت يعلقون أهمية خاصة على عرض صحيفة مدوّنة على صحابى شهير مثل ابن عباس (١٤)، أو رواية صحيفة صحابى (١٥) وبجانب هذه العادة العربية القديمة فإن الحوادث التاريخية مثل الخلافات السياسية دفعت إلى إنشاء ما عرف بالإسناد فى وقت مبكر من الحياة الفكرية فى صدر الإسلام. وقد حدّد يوسف هو روفتس زمن نشأته فى الثلث الأخير من القرن الأول الهجرى، (١٦) / فقد كان لزاما على من يروى خبرا، سواء تعلق بنصّ دينى أم بغير ذلك أن يذكر شاهدا أو أكثر، وهذه كانت مهمة الإسناد فى البداية. وقد شرحنا تفصيلا وأوردناالشواهد فى الفصل الخاص بعلم الحديث بأن كتب علم أصول الحديث وكذلك الأخبار والقصص التى وصلت إلينا فى المصادر تثبت فى وضوح حقيقة أن الإسناد كان يشير منذ البداية إلى نصوص مدوّنة. وقد ناقشت الكتب المنهجية لعلم الحديث قضية طرق «تحمّل العلم»، فهناك ثمانى طرق معروفة للتحمل، طبقها العلماء وفق الظروف المتاحة. وقد أثبت البحث التاريخى أن القرن الأول للهجرة عرف استخدام نصف هذه الإمكانيات تقريبا. فكان التلميذ يسمع النصّ من شيخه أو يقرأه على شيخه وحده أو مع تلاميذ أو سامعين آخرين. وعند الرواية لآخرين أو عند النقل من بعض الكتب كان التلميذ يستخدم بصفة عامة عبارة «حدّثنا» أو «حدثنى» فى الحالة الأولى، و «أخبرنا» و «أخبرنى» فى الحالة الثانية. وقد أطلق الباحثون على الطريقة الأولى «السماع» وعلى الثانية «القراءة»، وظهرت الكلمتان مصطلحين لأول مرة فى القرن الثانى للهجرة.


(١١) انظر: القسم الخاص بالشعر فى الجزء الرابع من هذا الكتاب.
(١٢) مثال ذلك: روى الصحابى عمرو بن حزم بن زيد الرسالة التى بيّن فيها النبى الفرائض والزكاة والدّيات، انظر الإصابة ٢/ ١٢٦٤.
(١٣) مثال ذلك: كتاب الخليفة عمر إلى أبى موسى الأشعرى عن الصلاة، انظر الطبقات لابن سعد، بيروت ٥/ ٥٩.
(١٤) انظر مثلا: الإصابة ٢/ ٨٠٩، وبه قول ميمون بن مهران عن ابن عباس.
(١٥) انظر مثلا: الطبقات لابن سعد (بيروت) ٥/ ٤٦٧ صحيفة جابر بن عبد الله.
(١٦) يوسف هوروفتس، عمر وأصل الإسناد:
J. Horovitz, Alterund Ursprungdes Isnad. in: Islam ٨/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>